محاولات لحل أزمة الغذاء في دول مجلس التعاون
يعتقد أن معضلة ارتفاع أسعار مواد الغذاء مسؤولة عن نحو 30 في المائة من ظاهرة التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي. أفضل تعريف للتضخم هو ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة لفترة زمنية. تعاني كل دول مجلس التعاون مشكلة التضخم، إذ بلغت 14 في المائة في قطر في عام 2007، أي الأسوأ ضمن المنظومة الخليجية.
على الصعيد الدولي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية 75 في المائة منذ عام 2000 لأسباب لها علاقة بنمو الطلب، فضلا عن تداعيات أمور أخرى مثل استمرار ارتفاع أسعار النفط. وقد تسبب ارتفاع أسعار النفط في زيادة تكلفة الإنتاج في دول المنشأ، خصوصا تلك التي تعتمد بشكل نوعي على القطاع الزراعي. كما أسهمت معضلة أسعار النفط في رفع أسعار الشحن والتأمين، ما يؤكد أن ارتفاع الأسعار عبارة عن مزيج من نعمة ونقمة.
المزيد من التدهور
بل إن الأسعار مرشحة للمزيد من الارتفاع في حال التوصل لاتفاق نهائي بين الأطراف ذات العلاقة في مفاوضات جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية. وكان وزراء أكثر من 30 دولة قد ناقشوا الأسبوع الماضي في مقر في منظمة التجارة العالمية في جنيف في سويسرا، مقترحات لإنهاء الجولة في الفترة المتبقية من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش. يعرف عن إدارة الرئيس بوش (المنبثقة من الحزب الجمهوري المحافظ) بتأييدها لتحرير التجارة الدولية. بيد أنه من الممكن أن تتعقد الأمور في حال سيطرة الديمقراطيون على البيت الأبيض والكونجرس في الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر).
وربما تفضي جولة الدوحة إلى الحد من التسهيلات التي تقدمها الدول الزراعية الرئيسية للدول المستوردة بحجة وضع حد للتشويهات المرتبطة بالأسعار. لكن يخشى أن يتسبب التقليل من الدعم المقدم للمزارعين في الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (وهو مطلب دول مثل البرازيل والهند والصين) إلى الحد من الإنتاج الزراعي لبعض السلع الاستراتيجية وبالتالي ارتفاع أسعارها.
الاستثمار في الخارج
نرى أن التوجه نحو الحل الخارجي وليس المحلي أمر واقعي لعدة أسباب منها معضلة ندرة المياه فضلا عن محدودية المساحات القابلة للزراعة. فحسب مركز الخليج للأبحاث ومقره دبي فإن إنتاج طن من الشعير في المملكة العربية السعودية يحتاج إلى 1212 مترا مكعبا (أي 42800 قدم مكعب). ويعد صرف هذه الكمية من الاستهلاك نوعا من الرفاهية في ضوء شح المياه الجوفية. بل إن الأمر أكثر سوءا في دول خليجية أخرى تعاني الضغط على المياه الجوفية.
تبلغ قيمة فاتورة استيراد المواد الغذائية لدول مجلس التعاون الخليجي الست أكثر من 12 مليار دولار سنويا. تأتي السعودية في المرتبة الأولى وتليها مباشرة الإمارات من حيث قيمة فاتورة الغذاء. وربما هذا يفسر توجه كل من البلدين لإبرام اتفاقيات دولية لضمان توافر المواد الغذائية وتنويع مصادرها.
على سبيل المثال، قام رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بزيارة إلى كازاخستان أخيرا، وناقش خلالها الفرص المتاحة للاستثمار في الموارد الزراعية في هذه البلاد المترامية الأطراف. وجاءت الزيارة في إطار سياسة الإمارات الرامية إلى تنويع مصادر المواد الغذائية، نظرا لاستيرادها نحو 85 في المائة من احتياجاتها الغذائية.
إضافة إلى ذلك، تدرس كل من السعودية والإمارات خيارات الاستثمار في الأراضي الزراعية في السودان, مصر, وباكستان. لدى الإمارات مشروع لتطوير 70 ألف فدان في السودان لغرض تنفيذ مشاريع زراعية بالاستفادة من التقنية الحديثة. كما تدرس الإمارات إمكانية شراء أكثر من 100 ألف فدان من الأراضي الزراعية في باكستان بقيمة 500 مليون دولار. يتمتع السودان بوفرة المياه فضلا عن المساحة (يعد السودان أكبر بلد عربي من حيث المساحة). بيد أن السودان يعاني القلاقل السياسية (لاحظ على سبيل المثال تداعيات أزمة منطقة دارفور بدخول محكمة الجنايات الدولية على الخط).
استيراد غير البسمتي
بدورها بدأت البحرين (صاحبة أصغر ناتج محلي إجمالي في دول مجلس التعاون) بدراسة إمكانية إبرام اتفاقيات مع بعض الدول الآسيوية مثل تايلاند والفلبين لاستملاك أراض زراعية، وبالتالي زرع منتجات زراعية خصيصا للسوق البحرينية. وهناك توجه لترويج أنواع أخرى من الأرز (غير البسمتي) مثل (جاسمين). وبات هذا الأمر ضروريا على خلفية ارتفاع أسعار البسمتي المستورد من باكستان والهند لأسباب متعددة، منها إفرازات أسعار النفط. ومن المنتظر أن يناقش عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة مسألة تعزيز المواد التموينية أثناء زيارته المرتقبة للصين.
يشكل ارتفاع أسعار المواد الغذائية فضلا عن ندرة الأراضي الزراعية والمياه فرصا لدول مجلس التعاون الخليجي للاستثمار الزراعي في الخارج. حسب بعض الدراسات، يعد نحو 10 في المائة من أراضي دول مجلس التعاون الخليجي قابلة للزراعة لسبب جوهري وهو نقص المياه. كما أن تجربة الإنتاج المحلي ليست ناجحة بالضرورة، نظرا لتوافر البديل المستورد الأرخص نسبيا. ويتطلب الإنتاج المحلي تقديم دعم مالي قد يرهق الموازنة العامة وربما على حساب مشاريع تنموية ومعيشية أخرى.