نظام الكفالة.. والخلل في عدالة الأجور
اعتاد الناس عند رغبتهم شراء أي سلعة أن يقوموا بعمل جولة في الأسواق للتعرف على سعرها العادل، وينطبق ذلك على كل شيء من أصغر جهاز كهربائي إلى السيارة، ولكن إذا كانت الحاجة إلى استخدام عامل كالسباك أو الكهربائي فالأمر يختلف، حيث تخضع عملية تحديد الأجرة على المفاصلة أو المساومة التي تعتمد على الشطارة وفي بعض الأحيان على استغلال الحاجة.. يفهم من هذا السلوك أن هناك قناعة لدى الناس بوجود سعر عادل لأي سلعة يمكن تحديده بناء على عملية مسح للسوق ما عدا أجرة العامل فهي لا تخضع لهذه القناعة.
يبدو أن هذا الأسلوب هو السائد عند بعض الشركات والمؤسسات الصغيرة، وما أقصده هنا هو الطريقة التي يتم فيها تحديد أجور العاملين، فمازالت هذه العملية تعتمد على الاجتهادات أو أسس غير موضوعية مرتبطة بقناعة صاحب القرار بالمنشأة، فالبعض منهم يقوم بتحديد أجر الوظيفة بناء على معدل الأجور في المنشأة التي يملكها أو يديرها، إذ لا يبدي اهتماما كافيا بعدالة الأجور المدفوعة بقدر الاهتمام بما تشكله هذه الأجور من تأثير في مستوى الأرباح الذي يتطلع له، وربما يكون هذا السلوك ناتجا عما اعتاده صاحب العمل في تعامله مع العمالة المستقدمة التي لا تمتلك كامل الحرية للعمل في أي شركة تريد بعد قدومها إلى المملكة، لذلك نجد أن نظام الأجور في بعض الشركات لا يخضع لاعتبارات مستوى المعيشة أو قيمة الوظيفة في سوق العمل بل لقناعة وقرار أصحاب العمل. وفي اعتقادي أن ما يكرس استمرار ذلك على هذا النحو هو نظام الكفالة من جهة والاستقدام من الدول ذات المستوى المعيشي المنخفض من الجهة الأخرى، فكلما تململ العامل المواطن من الأجر غير المنصف وجد نفسه أمام منافسة غير عادلة من العامل المستقدم الذي يقبل بالأجر المنخفض، وسيستمر القطاع الخاص بعرض الأجر الذي يراه مناسبا لا ما يتطلبه مستوى المعيشة وتحدده سوق العمل إلى أن تتغير شروط اللعبة عندما يصبح العامل غير السعودي غير محكوم بنظام الكفالة الذي لا يسمح للمكفول الانتقال للعمل في شركة أخرى إلا بموافقة الكفيل الذي هو صاحب العمل، وإنما يكون محكوما بنظام جديد للإقامة يخوله الحصول على تصريح بالإقامة من الدولة بناء على عقد العمل ليكون العامل حرا في الانتقال لأي شركة يريد بعد نهاية عقده شرط أن يحصل على عقد عمل جديد من الشركة الأخرى، عندها تصبح الوظيفة شأنها شأن أي سلعة في السوق يتحدد أجرها حسب العرض والطلب وبالتالي سيلجأ رجل الأعمال لاعتماد سياسات جديدة مبنية على دراسة لسوق العمل ومستوى المعيشة يتحدد بموجبها الأجر المناسب للوظيفة.
إن تحري عدالة الأجور سياسة تكاد تكون مطبقة في كل الشركات الكبيرة في المملكة مثل: أرامكو السعودية وشركات سابك، فلدى كل شركة من هذه الشركات نظام لإدارة الرواتب والأجور يعتمد العمل بآلية تضمن بقاء الرواتب والأجور في معدل يحقق لها العدالة والجاذبية ويتمكن من المنافسة في استقطاب الكفاءات الجيدة والحفاظ على العمالة الماهرة والمدربة ويؤمن الشعور بالرضا عند العاملين. تقوم هذه الآلية على عمل مسح للأجور في سوق العمل بشكل سنوي لمعرفة المستجدات وما يطرأ من تغيرات في مستوى الأجور ومستوى المعيشة وبناء عليها يتم إجراء تعديل لسياسات الرواتب والأجور سواء كان ذلك فيما يخص الرواتب فيتم إجراء بعض التعديلات في سلم الرواتب ليتلاءم مع سوق العمل لكيلا يفقد جاذبيته وقدرته على المنافسة أو يتم تعديل بعض البدلات التي عادة ما تصرف بشكل شهري أو سنوي كبدل السكن وبدل المواصلات وبدل تعليم الأبناء أو الخدمات كالعلاج والترفيه فيكون التعديل مراعيا لعامل التضخم الذي يؤثر في تكاليف هذه الخدمات فيصبح ما تقدمه الشركة متناسبا مع الأسعار السائدة في السوق.