المقالات

المحاكم المرورية.. تهيئة الكوادر البشرية

المحاكم المرورية.. تهيئة الكوادر البشرية

الأخطاء البشرية هي المحور الذي تدور حوله حوادث السير، حيث تشكل أخطاء السائقين نسبة 80 في المائة من العوامل المؤدية للحادث بينما تشكل العوامل الأخرى 20 في المائة. هذا ما تضمنه التقرير الذي أصدرته الإدارة العامة للمرور عن إجمالي الحوادث المرورية للعام الهجري الفائت الذي بلغت حوادثه ما يقارب 300 ألف حادث نتج عنها وفاة خمسة آلاف و800 شخص. ولأن تلك الأخطاء ليست سوى أفعال تترتب عليها مسؤولية جنائية ومسؤولية عن التعويض عن الأضرار والخسائر, ومن هنا, فإن اعتبارات العدالة وتطبيق النظام تفرض أن تعالج هذه الحوادث وما ينتج عنها من وفيات وأضرار مادية من قبل القضاء ومحاكمه المرورية التي ستكون إحدى تشكيلات المحاكم المتخصصة وفق مشروع تطوير وإصلاح الهيكل الإداري والتنظيمي, وهو مشروع يحتاج إلى تهيئة الكوادر البشرية أولا لأن الفصل في المنازعات المرورية في جانب الحق العام والحق الخاص يقتضي العلم بما نص عليه نظام المرور الجديد من مخالفات وما فرضه من عقوبات تتناسب مع جسامة المخالفات وخطورتها فضلا عن أهمية الجانب الشرعي عندما توجد وفيات ومسؤولية جنائية عن الوفاة أو الإصابة أما مسألة التأمين ونقل المسؤولية إلى شركات التأمين فإنها جانب آخر يضفي المزيد من التعقيد على وضع قضايا الحوادث المرورية في جميع جوانبها. إن معالجة قضايا الحوادث المرورية قد مرت بمرحلة الإصلاح والتوفيق بين أطراف الحوادث وهذا أدى إلى تغليب الحق الخاص وإعطائه الأولوية بل في الواقع أدى إلى إهدار الحق العام في معاقبة المخالفين والأخذ على يد المتهورين حتى رأينا حوادث هي أقرب إلى التجني والتعمد وتعكس عدم المبالاة بالأرواح والممتلكات بل أصبحت القوة الكامنة في بنية المركبة هي القانون السائد في الحركة المرورية وهي جزء من الحنكة في القيادة التي يفترض أن يفهمها كل من يقود سيارة وعليه التعامل معها كما لو كانت جزءا من قانون المرور. هذه الثقافة التي نمت وترعرعت في ظل عدم وجود عقوبات صارمة من إدارة المرور لم يعد مجديا التعامل معها إلا من خلال محاكم متخصصة تستطيع أن تفرض هيبة قانون المرور وترسخ في الأذهان ما يترتب على تجاوز النظام وتخلق ثقافة الالتزام بقوانين المرور لأنها جزءا من القانون العام الذي ينظم العلاقات بين الدولة والأفراد فهذا القانون يعطي حقوقا ويفرض التزامات ولأن الغالبية قد تعودوا على أخذ حقوقهم دون التفكير فيما للآخرين فإن مهمة المحاكم المرورية ستكون إن أرادت أكثر من مجرد تطبيق القانون. ولأن وزارة العدل تستعد لهذه المهمة فإن تدريب القضاة على أنظمة ولوائح المرور هو أولى الخطوات التي تعمل الوزارة على إنجازها لإنجاح النقلة الحقوقية في معالجة قضايا الحوادث المرورية والتي تتطلب أكثر من الإلمام بقانون المرور, فروح القانون والمقاصد المرجوة من إصداره وإسناد ذلك إلى المحاكم بدلا من ضباط وأفراد المرور يعني أشياء عديدة منها أولوية الحق العام وتحقيق عنصر المساءلة الشرعية والقانونية وتسوية الخسائر والأضرار المالية، وستبقى الإدارة العامة للمرور تتحمل عبء تطبيق النظام في الطرق داخل المدن وخارجها، حيث تشير الإحصائية ذاتها إلى أن منطقة الرياض قد تراجعت نسبة الحوادث المرورية فيها بسبب التطبيق الصارم للحملات المرورية التي تصدت لمخالفي السرعة وقطع الإشارة المرورية مما ساعد على خفض حالات الوفاة والحوادث الجسيمة. ولعل الأمر المزعج في ذلك التقرير أنه يشير إلى أن ثلث الوفيات لشباب في مقتبل العمر بين 18 و29 عاما، بينما تشكل الفئة العمرية نفسها نصف الإصابات وهذا يعكس سلوك جيل الشباب الذين هم الأكثر تسببا في الحوادث والأكثر تضررا من نتائجها. وما يثير الغرابة في سلوكنا وكيفية تعاملنا مع المركبة هو أن التقرير يكشف عن أن عدد السائقين المتعلمين في الحوادث المرورية بلغ ما نسبته 91 في المائة بينما نسبة السائقين غير المتعلمين 9 في المائة فقط, وهذا يؤكد أن توافر التعليم في حد ذاته في قائدي السيارات لا يشكل ضمانة للالتزام بنظام السير وقواعد المرور وأن الأمر يتطلب إنفاذ قوة القانون إلى جانب العمل على تقويم سلوك أفراد المجتمع في التعامل مع المركبة من خلال التوعية وحضور هيئة النظام في الميدان ودورها وعلاقتها بالجميع وهو ما ستكشف عنه إجراءات وأحكام محاكم المرور حينما تأخذ طريقها للنشر.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المقالات