حول رؤية الحركات والأحزاب الإسلامية للسياسة والحكم
بدا واضحاً خلال العامين السابقين أن هناك اهتماماً غربياً واسعاً سواء على الصعيد الرسمي أو البحثي أو الإعلامي بجوانب العلاقة بين الحركات الإسلامية السياسية وقضايا السياسة والحكم في مختلف دول العالم الإسلامي عموماً والعالم العربي خصوصاً. وقد بدا واضحا أن هذا الاهتمام قد نبع بصورة مباشرة من التطورات المهمة التي عرفتها عدة دول مسلمة خلال الأعوام الستة الأخيرة بخوض عدد من الحركات والأحزاب الإسلامية الانتخابات العامة البرلمانية والمحلية فيها ونجاحها في تحقيق انتصارات انتخابية كبيرة. من هنا توجه الاهتمام الغربي إلى محاولة فهم رؤية تلك النوعية من الحركات والأحزاب الإسلامية لمختلف القضايا المتعلقة بالسياسة والحكم، تحسباً لإمكانية نجاح بعضها في الحصول على أغلبية انتخابية تدفع بها لحكم بلدانها كما حدث في حالتي حزب العدالة والتنمية في تركيا وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في فلسطين.
وفي هذا السعي لمعرفة تلك الرؤية راحت الدراسات والمقالات الغربية تطرح عديداً من التساؤلات حول القضايا الرئيسة والتفصيلية التي تتضمنها هذه الرؤية، بهدف الإحاطة الواسعة والدقيقة بتصورات الحركات والأحزاب لها. والحقيقة أنه, بعيداً عن التركيز الغربي على قضايا بعينها في تلك الرؤية العامة للحركات والأحزاب الإسلامية، فإن الأكثر دقة وفائدة هو أن يبدأ البحث عن موقع السياسة والحكم كمعيار في تعريف وتصنيف الحركات الإسلامية على وجه العموم. ويعني هذا أن يتم التخلي عن المعايير الغربية التقليدية في تصنيف تلك الحركات، بوصفها بالمعتدلة والمتشددة، أو المتطرفة والسلمية، واللجوء إلى معايير أخرى للتصنيف من بينها موقع السياسة والحكم في رؤاها بما يصح معه تصنيفها على هذا الأساس. فالحركات الإسلامية التي يمكن وصفها بالسياسية هي تلك التي تقوم رؤيتها على أن المجتمعات التي توجد فيها إنما هي مسلمة كاملة الإيمان، وينقصها فقط أن تنظم سياستها وأوضاعها وفقاً لبرنامج مشتق من الشريعة الإسلامية التي تتحول بالنسبة لها إلى برنامج حكم. أما الحركات الإسلامية الدينية بمختلف أنواعها من جهادية وغيرها، فهي تهتم أولاً بالعقيدة، حيث ترى أن مجتمعاتها ودولها غير صحيحة الإسلام، الأمر الذي يستوجب إعادة "أسلمتها" عبر إعادة دعوتها أو قتالها، وبالتالي تتحول السياسة والحكم إلى الوسيلة لذلك وليس هدفا في حد ذاتهما.
وبعد هذا المدخل الضروري لمعرفة موقع السياسة والحكم في تعريف وتصنيف الحركات والأحزاب الإسلامية، تظهر القضايا الرئيسة والتفصيلية المتعددة التي يحتويان عليها. وفي هذا السياق يبدو واضحاً أن هذه القضايا تشمل محاور مختلفة بعضها يأخذ من الاهتمام الغربي حيزاً أكبر من البعض الآخر وإن اقتربت من بعضها في الأهمية في الواقع العملي. ويبدو تصور الحركات والأحزاب الإسلامية السياسية للديمقراطية هو أول وأهم تلك القضايا، وبطبيعتها فهذه القضية العامة الكبيرة تشمل قضايا أخرى أكثر تفصيلية وأقل عمومية. وفي هذا المجال تظهر قضايا من نوع الموقف من التعدد الحزبي وقبول الحركات الإسلامية النظام الحزبي كنموذج للممارسة الديمقراطية، كما يبدو الموقف من تداول السلطة واحداًَ من الموضوعات الرئيسة التي تحظى بالاهتمام. وبداخل مفهوم الديمقراطية تظل قضايا أخرى تحتاج إلى توضيح رؤية الحركات الإسلامية منها مثل حرية الانتخابات وحدود تطور المجتمع المدني والحريات العامة وخاصة حرية التعبير.
وإلى جانب الموقف من هذه القضية المركزية في النظر إلى السياسة والحكم، أي الديمقراطية، يمتد البحث عن رؤية الحركات الإسلامية السياسية لهما إلى قضايا أخرى لا تقل أهمية. فهناك الموقف من استخدام العنف بكل مسمياته تجاه المجتمع والدولة، وهل تستبعده تلك الحركات بصورة نهائية من إطارها الفكري وممارساتها العملية أم تترك الباب مواربا للجوء إليه في ظروف معينة؟ كذلك فإن طبيعة الدولة تحظى باهتمام خاص ومركز، وهو الأمر الذي يوجد كثيراً من التعقيدات في ظل تبني الحركات الإسلامية لمطلب تطبيق الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يرى فيه بعض المحللين الغربيين والعرب جذراً لإقامة "دولة دينية" وهو الأمر الذي قد يتصادم حسب رؤيتهم مع الطبيعة الديمقراطية والحديثة والمدنية للدولة، كما يجب أن تكون. ويمتد نطاق البحث والتساؤل بعد ذلك إلى موقف الحركات الإسلامية السياسية من الحقوق الخاصة بمواطني الدولة التي يسعون إلى المشاركة في أحوالها السياسية وحكمها إذا أمكن. وهنا تظهر قضية المساواة والمواطنة على قمة هذا الموضوع، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن الحقوق السياسية الخاصة بالمرأة والأقليات الدينية غير المسلمة في الدول ذات الأغلبية المسلمة والتي تشارك تلك الحركات في سياستها وقد تصل في أحد الأيام إلى حكمها.
إن الخلاصة الحقيقية من كل ما سبق هي أنه بغض النظر عن الاهتمام الغربي بمعرفة موقف الحركات والأحزاب الإسلامية السياسية من مختلف قضايا الحكم والسياسة وبغض النظر أيضاً عن محاولة بعض الدوائر الغربية "التصيد" لهذه الحركات، فإنه يبقى حقيقياً أن الشعوب والنخب في الدول المسلمة والعربية هم الأكثر إلحاحاً على معرفة ذلك الموقف لأن تلك الحركات توجد بينهم وبعضها يطرح نفسه لحكمهم، فهم الأحق بالمعرفة الواضحة التفصيلية، وهو الأمر الذي يفرض على تلك الحركات والأحزاب أن تعلن بصورة محددة وعلنية مواقفها من مختلف القضايا السابقة الإشارة إليها.