"انتفاع المرتهن بالرهن"
خلاصة المقال السابق هو أن الراهن له الحق في التصرف في عقاره بما لا يؤثر في حق المرتهن, وبما لا يؤثر في العقار ويؤدي إلى التقليل من قيمته هذا حكم انتفاع الراهن, فما حكم انتفاع المرتهن, هل له أن ينتفع بالعين المرهونة بأي نوع من الانتفاع أم أن ذلك ممنوع عليه؟
بموجب عقد الرهن، فللمرتهن سلطة على العين المرهونة, تمكنه من تقييد حرية الراهن في التصرف في ملكه بما يؤدي إلى الإضرار بالرهن, كما تجعل للمرتهن الحق في التنفيذ على الرهن في حال لم يوف الراهن بالدين, أما أن ينتفع المرتهن بالرهن فليس من حقوقه في الأصل لأنه لا يوجد ما يوجب ذلك, وعقد الرهن لا يقتضيه, وموازين العدالة تقتضي أن له ما يضمن دينه من العين وهذا يتحقق بالمنع من بيعها أو التصرف فيها بما ينقص من قيمتها مثلا, فإلى هذا الحد تقف سلطة المرتهن.
وعند الحديث عن انتفاع المرتهن بالرهن فإن الفقهاء يفرقون بين ما إذا كان سبب الرهن قرضا أم مبايعة, فإن كان الرهن حصل مقابل دين قرض فإن الجمهور يمنعون من انتفاع المرتهن لأنه في حال انتفع فإنه يكون مشمولا بقاعدة كل قرض جر نفعا فهو ربا, وإن كان بعض الفقهاء أجاز ذلك إلا أنهم قلة, وسبق أن أفردت لهذه الصورة مقالا باسم "بيع العقار وفاء", وأما إذا كان مقابل الرهن مبايعة فالأصل أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن إلا في حالة أن يكون محتاجا إلى ذلك, وكان ينفق على المرهون لما روى البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة".
وفي مشروع نظام الرهن العقاري الذي يدرس في مجلس الشورى السعودي النص - كما في المادة العشرين- على أنه لا يجوز الاشتراط في عقد الرهن على أن منافع المرهون تكون للمرتهن, ومعنى ذلك أن المنع يسري على الشرط ولو وافق عليه الراهن لما في ذلك من إخلال بالقواعد الشرعية, وقد قرر النص أن العقد صحيح والشرط فاسد, وقد أجاز النص أن يحصل المرتهن غلة المرهون نيابة عن الراهن فقط دون الانتفاع بها. وقد ورد في المشروع في المادة الثانية عشرة قاعدة عامة بهذا الخصوص, وهي أن غلة الرهن لمالكه ونفقته عليه, وهي قاعدة فقهية كما سبقت الإشارة إليه.