الطاقة والغذاء من أجل الفقراء (1 من 2)

[email protected]

قبل نحو ثلاثة أسابيع، استجابت بلادنا لنداء أمين عام هيئة الأمم المتحدة السيد بان كي مون، وقدمت تبرعا سخيا لبرنامج الغذاء العالمي لمساعدة الدول الأشد فقرا قيمته نصف مليار دولار. ويوم الأحد الماضي، أعلن خادم الحرمين الشريفين عند افتتاح اجتماع جدة للطاقة، عن تبني المملكة لبرنامج آخر لرعاية الدول الفقيرة ولكنه هذه المرة في مجال الطاقة. إذ قدمت المملكة بموجبه مليار دولار يودع مناصفة بين البنك الدولي وصندوق "أوبك" من أجل تقديم قروض ميسرة جدا لمساعدة الدول النامية الأشد تضررا من ارتفاع أسعار النفط.
جاءت الدعوة لاجتماع جدة للطاقة كمبادرة ذكية وموفقة، فلأول مرة يحدث أن تنهض دولة منتجة للنفط وتقول للعالم نحن بالتأكيد لسنا سعداء بما يجري لأسعار النفط، كما أننا لسنا مسؤولين عن ذلك، وها نحن ندعو جميع أهل الأرض إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، لننظر في سبل كبح جماح هذه الأسعار. لأننا رأينا للأسف كيف أنه في كل مرة ترتفع فيها أسعار النفط، تعود وسائل الإعلام الدولية لتكرر مع بعض السياسيين في الدول المستهلكة، بأن دول "أوبك" تتحمل مسؤولية هذا الارتفاع، لترددها في زيادة الإنتاج الذي كان كفيلا بلجم الأسعار. تتكرر هذه الادعاءات في حين يكاد يجمع أغلب خبراء النفط (دعك من الشواذ) على أن أزمة ارتفاع أسعار النفط هي محصلة تضافر مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والفنية والطبيعية. وأهمها المضاربات في عقود النفط الآجلة التي تتأثر بالوضع السياسي غير المستقر في منطقة الشرق الأوسط، الذي ترتب على السياسات العدوانية للإدارة الأمريكية الحالية، وبالوضع الاقتصادي المضطرب في أسواق المال الدولية الذي ترتب على سياسية الدولار الضعيف، وفضيحة قروض الرهن العقاري في أمريكا. وهناك زيادة الطلب على النفط في آسيا، هذا فضلا عن الكوارث والأعاصير الموسمية القريبة من مناطق إنتاج النفط.
وعند النظر في الحلول يجب ألا نغفل موضوع ضرورة ترشيد الاستهلاك، ومعالجة وضع الضرائب العالية على المنتجات النفطية في الدول المستهلكة. لكن عندما اقترح الرئيس الفرنسي قبل أيام أن تخفض الحكومات تلك الضرائب للحد من التضخم، عتمت بريطانيا على اقتراحه. ففي بريطانيا أعلى نسبة ضرائب ورسوم على المشتقات، حيث تزيد على نصف ما يدفعه المستهلك للتر البنزين.
إن ظاهرة ارتفاع أسعار النفط أكبر من أن تحصر فقط في عدم كفاية إمدادات النفط. فالمراجعة الفاحصة لأساسيات العرض والطلب في السوق لا تبرر هذا الجموح في الأسعار، إذ إن السوق في الواقع مشبعة بالنفط الخام. وحتى لو تمت زيادة الإنتاج من بعض دول "أوبك"، فإن المصافي في الدول المستهلكة تعمل بكامل طاقتها ولا توجد عندها سعة احتياطية إضافية إلى تكرير المشتقات. يدل على ذلك، أنه رغم الاضطرابات الأخيرة في نيجيريا، وانخفاض المخزون الأمريكي الأسبوعي من الخام لم ترتفع الأسعار إلى مستواها القياسي الذي بلغته الأسبوع قبل الماضي.
وقد كتب مراسل موقع الـ "بي. بي. سي" إلى اجتماع جدة، أن الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط أخذت تدرك الآن أكثر فأكثر، أن مضاربات المستثمرين على العقود الآجلة كانت سببا رئيسا في ارتفاع أسعار النفط، لأن المضاربين وجدوا في المضاربات على بعض السلع والمعادن ملاذا آمنا يحميهم من اضطرابات أسواق المال وتدهور قيمة الدولار الأمريكي. ولهذا السبب قررت السلطات الأمريكية أخيرا تشديد القيود على المضاربين، خاصة في سوق التداول الإلكتروني للعقود الآجلة في لندن وطالبوا الأوروبيين بالالتزام بتلك القيود بدءا من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
في عالم تزداد فيه الاضطرابات ليس من الحكمة تحميل طرف دون آخر مسؤولية الأزمة، إن خطورة الأزمة تتطلب الكف عن العبث السياسي المتكرر والممجوج، والبدء في البحث الجاد والموضوعي عن طرق عملية ومعقولة للعلاج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي