خالد شيخ محمد: أسئلة تبحث عن إجابات

بالرغم من الاهتمام الهائل بالأحداث والجماعات والشخصيات ذات الصلة بقضية الإرهاب خلال الأعوام الأخيرة على مستوى العالم، فلا يزال جزء كبير من هذا العالم السري بطبيعته يلفه الغموض وتتضارب حوله المعلومات، بحيث يظل كثير من الأسئلة معلقاً حوله بلا إجابات شافية. ولا يقتصر ذلك الغموض والتضارب على أحداث أو جماعات أو شخصيات صغرى هامشية في ذلك عالم الإرهاب السري، بل يمتد في كثير من الأحيان إلى وقائع مركزية في تطور ظاهرة الإرهاب وبعض الجماعات الكبرى التي تمارسه والشخصيات التي يُقال إنها لعبت أدواراً رئيسة في هذا التطور.
ومن بين الشخصيات الرئيسة في هذا العالم السري، وبالتحديد في الصفوف القيادية لتنظيم القاعدة التي أحاط الغموض بمسيرتها، ولا يزال يرمي بظلاله عليها، خالد شيخ محمد الذي ينسب إليه التخطيط وقيادة هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن. وكما هو معروف فقد قبض عليه في باكستان في آذار (مارس) 2003، وتم تسليمه إلى السلطات الأمريكية، التي أذاعت في آذار (مارس) 2007 اعترافات منسوبة إليه من معتقل جوانتانامو يقر فيها بمسؤوليته عن هجمات أيلول (سبتمبر) و29 عملية إرهابية أخرى وقعت أو فشلت على مستوى العالم. وفي الخامس من حزيران (يونيو) العام الحالي بدأت محاكمة مغلقة له وأربعة آخرين فيما يخص تلك الاعترافات، ومن المنتظر أن يتم استئنافها في أيلول (سبتمبر) المقبل.
وخالد شيخ محمد هو ابن لمهاجر باكستاني إلى الكويت يعود أصله إلى إقليم بلوشستان المتاخم للحدود الباكستانية - الأفغانية، ولد عام 1965 في الكويت، حيث كان الأصغر بين إخوانه الخمسة، وحصل على شهادة المرحلة الثانوية من هناك ثم التحق عام 1984 بكلية للهندسة في نورث كارولينا في الولايات المتحدة حصل منها على شهادته الجامعية في الهندسة الميكانيكية. والمرجح أن خالد شيخ قد عاد من الولايات المتحدة إلى باكستان، حيث التحق هناك في مدينة بيشاور الحدودية مع أفغانستان بشقيقه الأكبر، الذي كان يدير وقتها جمعية خيرية كويتية تقدم المساعدات للاجئين الأفغان لتلك المدينة. وتشير بعض المعلومات إلى أن هذا الشقيق وشقيقا آخر لخالد قد لقيا مصرعهما في الحرب الأفغانية ضد السوفيات، الأمر الذي كان له تأثير مباشر في انخراطه بعد ذلك في الدوائر الإسلامية الأكثر تشدداً في تلك المنطقة، إضافة إلى مساهمته السابقة المباشرة في هذه الحرب، كما أوضحت معلومات أخرى منشورة.
أما عن الأنشطة المؤكد قيام خالد شيخ بها، فهي تتركز في علاقته بابن شقيقته رمزي يوسف الذي أدين في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، حيث أشارت التحقيقات إلى تورطه عن طريق التمويل والتخطيط على الأقل في تلك المحاولة. وقد فتحت تلك التحقيقات ملف خالد شيخ لدى السلطات الأمنية الأمريكية وغيرها في عديد من الدول الآسيوية، وبخاصة في الفلبين التي أقام بها فترات ما بين عامي 1993 و1995. ونتيجة لمتابعات تلك السلطات المختلفة فقد اتهم خالد شيخ بأنه قد خطط مع ابن شقيقته لتفجير عشر طائرات مدنية أمريكية فوق المحيط الهادئ، على أن تفجر إحداها مقر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وقد فر الرجل من الفلبين عقب اكتشاف بعض تلك المعلومات للجهات الأمنية، وظل مطلوباً لها وللسلطات الأمريكية منذ ذلك الوقت. وتشير معلومات منشورة منسوبة للسلطات الأمنية الأمريكية أن خالد شيخ قد فر إلى قطر، حيث عمل هناك مهندساً في إحدى الشركات حتى غادرها بعد مطاردة السلطات الأمنية الأمريكية له هناك إلى جهة غير معلومة.
والحقيقة أن الفترة التالية على هروب خالد شيخ من الفلبين لا يبدو خلالها واضحاً أو مؤكداً حقيقة علاقته بأسامة بن لادن، وما عرف بعد ذلك بتنظيم القاعدة. فكثير من المصادر الإسلامية ذات المعلومات عن تلك الأوساط تؤكد أنه لا علاقة مباشرة بينهما، وأن خالد شيخ كان لديه دوماً مشروعاته الإرهابية الخاصة، ومنها خطة تفجير الطائرات العشر، التي عرض بعضها من خلال وسطاء على بن لادن دون أن يلقى دعمه لها. والأرجح أن تلك الرواية صحيحة، وما يدعمها هو أنه حتى السلطات الأمنية الأمريكية لم تشر لأي علاقة لابن لادن بذلك المخطط منذ اكتشافه عام 1995 وحتى اليوم، وظلت تحمل مسؤوليته لخالد شيخ ورمزي يوسف ابن شقيقته فقط. أيضاً فإن تتبع أسماء وأدوار القيادات المحيطة بأسامة بن لادن، سواء في السودان من عام 1992 حتى 1996 أو في أفغانستان منذ ذلك الوقت حتى الآن يوضح عدم وجود خالد شيخ بينهم في أي فترة بما في ذلك الفترات التي كان بن لادن ومن معه يعملون بصورة شبه علنية، ولا يخشون مطاردة أمنية تجبرهم على إخفاء أحد من تلك القيادات.
من هنا، فإن السؤال المركزي هنا يدور حول التوقيت والطريقة التي تعرّف بهما خالد شيخ على أسامة بن لادن ومن أيهما أتت المبادرة، وهو سؤال لا توجد له إجابة محددة حتى اليوم. كذلك فإن السؤال الثاني المركزي الذي لا إجابة واضحة له أيضاً حتى اليوم يتعلق بصاحب فكرة هجمات أيلول (سبتمبر) الانتحارية، وهل هو خالد شيخ أم بن لادن؟ ويبقى بعد ذلك السؤال الثالث المركزي يدون إجابة ويتعلق بالطريقة التي استطاع بها خالد شيخ الهروب كل تلك السنوات من المطاردة الأمنية، بالرغم من انكشافه المبكر وقدرته خلالها على التخطيط والإعداد لكل تلك الهجمات التي نقل عنه اعترافه بها. وحتى موعد استئناف محاكمته في أيلول (سبتمبر) المقبل، لا يوجد أحد في العالم حتى اليوم يملك إجابات دقيقة لهذه الأسئلة المركزية وعشرات أخرى أقل مركزية وإن ظلت شديدة الأهمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي