إلغاء وزارة الإسكان أوقعنا في مشكلة الإسكان
قرار الحكومة السعودية بإلغاء وزارة الأشغال العامة والإسكان في عام 2003، التي كانت تُعنى بمسؤولية تنفيذ الإسكان العام والعاجل وصيانته، أحدث فراغا تشريعيا وتنظيميا وقانونيا كبيرا في قطاع الإسكان في السعودية، ولاسيما في ظل تعدد الجهات المسؤولة عن تنفيذ خطط الإسكان في البلاد، وغياب جهة واحدة منوط بها مسؤولية الإشراف على تنظيم القطاع.
الفراغ التنظيمي الذي عاناه قطاع الإسكان لفترة طويلة من الوقت في البلاد نتيجة، وكما أسلفت لقرار الحكومة إلغاء وزارة الأشغال العامة والإسكان، أحدث مشكلة إسكانية كبيرة في السعودية، تمثلت في حدوث فجوة ملحوظة بين الطلب والعرض على المساكن، الأمر الذي تؤكده عدد من الإحصائيات التي تشير إلى أن الطلب على الوحدات السكنية في الوقت الحاضر يقدر بنحو 1.1 مليون وحدة سكنية، في حين يقدر العرض بنحو 570 ألف وحدة سكنية، وما ضاعف كذلك من مشكلة الإسكان في السعودية، وفق استطلاع نشر في جريدة "الرياض" في العدد 14581، معدل النمو السكاني المرتفع الذي تشهده المملكة مقارنة بمعدل النمو العالمي، حيث تقدر نسبة النمو في عدد السكان في السعودية في الوقت الحاضر بـ 2.5 في المائة، في حين يبلغ معدل نمو السكان في العالم نحو 1.5 في المائة. هذا النمو الكبير في عدد السكان في المملكة، يتوقع له أن يحدث ضغطا كبيرا في الطلب على الوحدات السكنية خلال الـ 20 سنة المقبلة، ما سيفرض الحاجة إلى استثمار ما يقارب نحو 2400 مليار ريال بالقطاع، لاستيعاب بناء ما يقارب نحو أربعة ملايين وحدة سكنية.
من بين الأسباب أيضاً التي فاقمت من مشكلة الإسكان في المملكة وفقما تشير إليه الإحصائيات، أن نحو 76 في المائة من السعوديين يمولون بناء مساكنهم عن طريق مصادر غير ذاتية من خلال الاعتماد مثلا على القروض الشخصية التي تمثل نحو 47 في المائة، وقروض من الأصدقاء أو العائلة التي تمثل نحو 16 في المائة وقروض من جهة العمل التي تمثل نحو 4 في المائة.
ومن بين الأسباب كذلك، التي أدت إلى حدوث الفجوة الإسكانية بين الطلب والعرض، قصور سياسات التمويل الحالية التي يتبعها صندوق التنمية العقارية لسد الحاجة المتنامية للوحدات السكنية، حيث تشير الأرقام إلى أن الصندوق منذ إنشائه قد أسهم في تقديم نحو 512 ألف قرضاً، ولكن وعلى الرغم من ذلك هناك نحو 479 ألف طلب للقرض لاتزال في قائمة الانتظار، كما أن مبلغ القرض المقدم من الصندوق في الوقت الحاضر الذي يبلغ 300 ألف ريال لا يلبي احتياجات التمويل الحالية لبناء المساكن، لاسيما في ظل الارتفاع الملحوظ الذي شهدته أسعار الأراضي وكذلك أسعار مواد البناء، مثال أسعار حديد التسليح والأسمنت والخشب، بما في ذلك أجور الأيادي العاملة في قطاع البناء والإسكان، كما أن غياب وجود أنظمة وتشريعات تحكم وتنظم تعاملات التمويل العقاري، مثال نظام الرهن العقاري، ونظام التمويل العقاري، ونظام المراقبة على شركات التمويل، قد ضاعف من مشكلة التمويل العقاري، وصعب كذلك من امتلاك السعوديين المساكن، حيث أوضحت دراسة بأن نحو 55 في المائة من المواطنين يملكون منازل بينما النسبة الباقية لا تمتلك مساكن، كما أن نسبة الإنفاق على إيجار الوحدات السكنية في المملكة يستحوذ تقريباً بين 35 و50 في المائة من الدخل الشهري للمواطن.
التحقيق الذي نشرته "الاقتصادية" حول التحديات التي تواجه السوق العقارية في السعودية مع عدد من المختصين في الشأن العقاري، رصد عددا من المعوقات التي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في مشكلة الإسكان في المملكة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) عدم توافر العمالة الكافية لتنفيذ المشاريع العقارية والإسكانية. (2) عدم السماح بزيادة الارتفاعات على الشوارع الرئيسة. (3) صعوبة حصول ملاك الوحدات السكنية على قيمة الإيجار، إضافة إلى صعوبة إخراج المستأجر من العقار سواء كان العقار سكنياً أو تجارياً، مما شجع عددا كبيرا من المستأجرين على المماطلة في سداد قيمة إيجار الوحدات السكنية المؤجرة لعدة أشهر أو لعدة سنوات. (4) التأخر اعتماد المخططات الهندسية لمشاريع البناء، الأمر الذي تسبب في التأخر في صدور فسوحات البناء، ما ترتب عنه تحمل ملاك الوحدات السكنية تكاليف إضافية.
الحكومة السعودية تنبهت لمشكلة الإسكان، التي تعانيها البلاد، وحرصاً منها على توفير المسكن الملائم للمواطنين وتذليل المعوقات، التي تحد من التوسع في مشاريع الإسكان، أصدر المقام السامي قرار بإنشاء هيئة عامة للإسكان ، التي من بين أبرز أهدافها، توفير السكن المناسب وفق الخيارات الملائمة لاحتياجات المواطنين وفق برامج تضعها الهيئة، وبخاصة عدة أمور من بينها تيسير حصول المواطن على مسكن ميسّر تراعى فيه الجودة ضمن حدود دخله في الوقت المناسب من حياته وزيادة نسبة تملك المساكن، وبغرض تمكين الهيئة من تنفيذ الأهداف المنوطة بها، فقد مكنها القرار من القيام بإعداد الاستراتيجيات الإسكانية الشاملة للمملكة وتحديثها وتطويرها واقتراح الأنظمة واللوائح والسياسات والتنظيمات الخاصة بنشاط الإسكان، واقتراح كذلك التعديلات عليها، وتحديد فئات المستحقين والمستفيدين من برامج الإسكان الشعبي والخيري.
في رأيي أن إنشاء الهيئة المذكورة قد جاء في وقت مناسب للغاية، وبالذات في ظل المشكلات والمعوقات العديدة، التي يعانيها قطاع الإسكان في السعودية، ولكن لكي يتسنى للهيئة القيام بالدور التنموي المنوط بها على الوجه المطلوب، لا بد من اكتمال الحلقات العديدة المفقودة، المرتبطة بتنظيم قطاع العقار بشكل عام وقطاع الإسكان بشكل خاص، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، استكمال التشريعات الخاصة بتنظيم القطاعين، مثال التشريعات الخاصة بنظام الرهن العقاري، والأنظمة المتعلقة بالتمويل والتثمين العقاري، إضافة إلى إصدار نظام التسجيل العيني للعقار والأنظمة المتعلقة بكود البناء، بما في ذلك نشر الوعي بين عامة الناس المرتبط بمزايا وفوائد المسكن الميسر، ومضاعفة إسهام مشاريع الإسكان الخيري في قطاع الإسكان الشعبي، وتحفيز القطاع الخاص على تبني مشاريع الإسكان الخاصة بموظفيهم، وبالله التوفيق.