" الرهن العقاري والتأجير التمويلي 3"
في المقال السابق كان الحديث عن تطور تصميم عقود التمويل العقاري, وأن أفضل صيغة في ضمان المديونية هي صيغة:"الإيجارة المنتهية بالتمليك" وتسمى: "التأجير التمويلي", وبالتأكيد فإن هذه الصيغة لا تحتاج إلى تضمين شرط الرهن فيها لأنها أقوى من الرهن, والرهن إنما يرد في الصيغة المشتملة على البيع فقط, أما هذه الصيغة فإن العين ما زالت في ملك الممول "الدائن", وإنما أجرها لطالب التمويل, وليست الإيجارة هنا تقليدية وإلا لم يكن تمويلا وإنما إجارة تنتهي بالتمليك حسب صيغة العقد, فطالب التمويل حصل العين التي يريدها, والممول تمسك بأعلى الضمانات لمديونيته, ولا غرابة أن تنتشر هذه الصيغة في أسواق التمويل بل وتصدر لتنظيم أحكامها قوانين خاصة بها.
تذكر بعض الكتابات أن هذا العقد أول ما وجد كان عام 1846م في إنجلترا، ثم انتقل إلى الكثير من الدول حتى وصل إلى الدول العربية, وأصدر الكثير من الدول قوانين خاصة به كما سبق, وفي المملكة فمشروع نظام " التأجير التمويلي" أحد المشاريع التي تدرس في مجلس الشورى وينتظر بعد الموافقة عليه أن يصدر قريبا.
أما الموقف الفقهي من هذه الصيغة فقد اختلف بحسب صيغة العقد, فأما الصيغة المشهورة له, وهي أن الطرفين يتفقان على أن العين تنقل بمجرد انتهاء دفع أقساط الإيجار فلم تكن مقبولة فقها وصدرت الفتاوى بمنعها, ومن أُوَل الفتاوى الجماعية في ذلك فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة في دورته الثانية والخمسين المنعقدة في الرياض بتاريخ 29/10/1420 هـ حيث رأى المجلس بالأكثرية أن هذا العقد غير جائز, وكان من أبرز موجبات المنع.
أنه جامع بين عقدين على عين واحدة غير مستقر على أحدهما وهما مختلفان في الحكم متنافيان فيه. فالبيع يوجب انتقال العين بمنافعها إلى المشتري، وحينئذ لا يصح عقد الإجارة على المبيع لأنه ملك للمشتري، والإجارة توجب انتقال منافع العين فقط إلى المستأجر, وقد خالف بعض علماء الهيئة هذا المنع وهم: الشيخ محمد بن جبير والشيخ عبد الله بن بسام – رحمهما الله-, والشيخ عبد الله بن منيع – حفظه الله.
ثم حصل تطوير لهذا العقد بحيث يتوافق مع القواعد الفقهية, وذلك بإبقاء الإيجارة على أنها أصل العقد, وأما الملك فينتقل بالبيع أو الهبة الموعود بهما في نهاية العقد, وهو ما ورد مفصلا في قرار مجمع الفقه الإسلامي, ونعلق عليه في المقال القادم مع ذكر موقف القضاء في المملكة من هذه العقود - إن شاء الله -.
قاض في وزارة العدل