بيانات تؤكد الركود وتوقعات بخفض كبير لأسعار الفائدة الأمريكية
أصبح صانعو القرار الاقتصادي الأمريكي والمستثمرون والمستهلكون الأمريكيون على حد سواء على قناعة بأن ركود الاقتصاد الأمريكي أخذ منحى واضحاً من خلال البيانات لمختلف المؤشرات الاقتصادية التي تقيسه. وهذه المؤشرات تتركز غالباً في ثلاثة مؤشرات أساسية أولها مؤشر التوظف الذي يقيس مستوى التوظف في القطاعات غير الزراعية. ومؤشر قطاع الصناعة ISM الذي يعد مؤشراً مهما على التوسع أو الانكماش في قطاع الصناعة، ويصدره The Institute of Supply Management. وأخيراً مؤشر المؤشرات القيادية الذي يضم في حساباته عدة مؤشرات للاقتصاد الأمريكي الذي يصدره مجلس المؤتمر Conference Board. وبالنظر إلى مؤشر التوظيف في القطاعات غير الزراعية نجد أن القطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة عدا القطاع الزراعي أضافت 18 ألف وظيفة فقط خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 2007، ولتؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة إلى معدل 5 في المائة بعد أن بلغ المعدل خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي 4.7 في المائة. فيما يتعلق بمؤشر ISM الصناعي فقد انخفض إلى ما دون 50 نقطة ليبلغ 47.7 نقطة، وهي قراءة تدل على اتجاه الاقتصاد إلى الانكماش. مع العلم أن مؤشر ISM يتم قياسه باستبيان يوزع على 400 من المنشآت الصناعية ويشمل الاستبيان بيانات عن التوظيف والإنتاج والطلبات الجديدة والمخازن والكميات المعروضة من السلع. أما من حيث مؤشر المؤشرات القيادية The Leading of Economic Indicators الذي صدر خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي عن تشرين الثاني (نوفمبر) فقد أظهر انخفاضاً مقداره 0.4 في المائة، مما يشير إلى تراجع في أداء المؤشرات القيادية للاقتصاد الأمريكي.
ويبدو أن أزمة الرهن العقاري تجاوزت آثارها على سوق الائتمان وعلى البنوك الاستثمارية الكبرى كـ "سيتي بانك" و"بيرن ستيرن" لتبلغ المستهلك الأمريكي بشكل مباشر. حيث أشارت شركة أميركان إكسبرس، كبرى شركات بطاقات الائتمان في العالم، إلى أنها زادت احتياطيات خسائر القروض لتغطية القروض المعدومة التي تتوقع تزايدها خلال الفترة المقبلة من العام الحالي 2008. من ناحية أخرى فاجأت "وول مارت" الأسواق بتحقيقها مبيعات أعلى من المتوقع خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي وهو موسم الأعياد الذي يعد حاسماً في تعديل أوضاع المبيعات لمختلف شركات التجزئة الأمريكية. حيث ارتفعت مبيعات "وول مارت" خلال هذا العام إلى 46.6 مليار دولار وبمعدل 8.4 في المائة عن معدلها خلال العام الماضي الذي بلغ 43 مليار دولار. في المقابل حققت شركات تجزئة أخرى كمتاجر "وول" و"شيكو" و"هوم ديبوت" تراجعاً في مبيعاتها خلال كانون الأول (ديسمبر) لتعكس بشكل كبير التراجع في القوة الشرائية للمستهلكين الأمريكيين التي تؤثر بشكل كبير في معدل نمو الاقتصاد الأمريكي.
وتفاعلات المسؤولين الاقتصاديين الأمريكيين تدلل على أن وضع الاقتصاد الأمريكي بات حرجاً مما يستلزم المزيد من التدخل لتحفيز الاقتصاد. ففي مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي أشار وزير الخزانة الأمريكي إلى أهمية التدخل لوضع برنامج لتحفيز الاقتصاد الأمريكي المتباطئ خلال عام 2007. كما أشار بولسون الذي بدا متشائماً أكثر من السابق إلى أن المستهلك الأمريكي يواجه تحديات كثيرة منها انخفاض أسعار المساكن، وارتفاع أسعار الطاقة، وضعف سوق العمل الأمريكي. كما أشار إلى أن هناك مؤشرات تدلل على أن الاقتصاد يتراجع بشكل سريع وأن هذا يتطلب عملا سريعا يساعد في تحفيز الاقتصاد وعودته إلى مسار النمو السابق. من ناحية أخرى أشار رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" إلى أن "الاحتياطي" مستعد للقيام بتخفيض كبير لسعر الفائدة وذلك لتحفيز الاقتصاد. وهذا يعني أن تخفيض سعر الفائدة يجب أن يتوافق مع توقعات المستثمرين وإلا أدى ذلك إلى أثر عكسي لهذا التخفيض كما حصل في التخفيض الأخير في أوائل كانون الأول (ديسمبر) الماضي الذي لم يتجاوز 25 نقطة أساس.
من ناحية أخرى حققت ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية الفيدرالية فائضاً مقداره 48.3 مليار دولار مما يرجعه محللون إلى الارتفاع في عوائد ضريبة الشركات مع تحقيق الكثير من الشركات عوائد أعلى. لكن التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد حالياً يثير تساؤلات كثيرة عن إمكانية الحفاظ على مستوى الفائض خلال عام 2008. وكانت الإيرادات الفيدرالية قد ارتفعت بمعدل 6.5 في المائة، في حين ارتفعت النفقات بمعدل 4.9 في المائة وذلك حسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية. وهذا الفائض الذي حققته الحكومة الفيدرالية خلال عام 2007 يتجاوز المعدل المحقق في عام 2006 الذي بلغ 42 مليار دولار، وعلى الرغم من ذلك فقد جاء هذا الفائض أقل من توقعات المحللين الاقتصاديين الذين قدروا الفائض في حدود 50 مليار دولار. من ناحية أخرى تزايد عجز الميزان التجاري الأمريكي خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي وبشكل أكبر من المتوقع وذلك مع تزايد أسعار النفط. إذ يرجع اقتصاديون هذا التزايد في عجز الميزان التجاري إلى أن الأمريكيين أنفقوا بشكل أكبر على النفط المستورد من الخارج مع تزايد أسعاره. وقد تزايدت الفجوة بين الواردات والصادرات إلى 9.3 في المائة، وهي الأكبر خلال العامين الأخيرين، لتبلغ 63.1 مليار دولار.
ويبدو أن آثار الركود الاقتصادي لم تقتصر فقط على الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها بدأت تظهر في أجزاء أخرى من العالم وبالتحديد في بريطانيا. حيث أظهرت بيانات انكماش الإنتاج الصناعي بشكل غير متوقع خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وذلك مع تراجع إنفاق المستهلكين على السلع. حيث انخفض الإنتاج الصناعي بمعدل 0.1 في المائة مقارنة بـ 0.3 في المائة خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وذلك حسب مكتب الإحصاءات الوطنية في لندن. ويأتي هذا الانخفاض على عكس توقعات الاقتصاديين التي قدرت ارتفاع الناتج الصناعي بمعدل 0.1 في المائة مما كان له أثر سلبي في الأسواق في بريطانيا. ومن ناحية أخرى يظهر مؤشر إنفاق المستهلكين في أوروبا تراجعاً كبيراً مما يؤثر بشكل كبير في معدلات النمو الأوروبية، حيث تراجعت مبيعات الكثير من كبريات الشركات الأوروبية مثلL’Oreal الفرنسية، Marks & Spencer البريطانية، وNestle بنهاية العام الماضي، مما أدى إلى تراجع كبير لمؤشرات الأسواق الأوروبية، حيث تراجع مؤشر داو جونز الأوروبي بمعدل 0.4 في المائة بنهاية تداولات الأسبوع الماضي.
من ناحية أخرى قد يكون أسرع الاقتصادات نمواً في العالم قد بلغ قمة النمو التي سيبدأ بعدها في التراجع، وذلك في إشارة تؤكد على وقوع الاقتصاد العالمي في شرك ركود اقتصادي قد يستمر طويلاً. حيث أظهرت البيانات تراجع فائض الميزان التجاري الصيني خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي كما تراجع أيضاً نمو عرض النقود الذي يعد مؤشراً على التوسع والانكماش الاقتصادي ومقدار تدفق العملات الخارجية إلى الدولة. فقد تراجع الفائض إلى 22.7 مليار دولار من 26.2 بليون دولار خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وذلك حسب إدارة الجمارك الصينية. وفي مقابل ذلك زاد عرض النقود M2 في الصين بمعدل 16.7 في المائة إلى 5.55 تريليون دولار من سنة سابقة، وهو الأقل زيادة خلال الأشهر السبعة الأخيرة من عام 2007، مما يشير إلى بدء تأثر الاقتصاد الصيني بالتراجع الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي.