الخادمات يسجلن نسبة هروب تصل إلى 80 %.. و"مافيا" تقف وراء ذلك ولا حديث عن دور بعض الجهات!!

الخادمات يسجلن نسبة هروب تصل إلى 80 %.. و"مافيا" تقف وراء ذلك ولا حديث عن دور بعض الجهات!!

alomari1420@yahoo. com

تحتاج كثير من الأسر فعلياً إلى سائق وخادمة، وربما أكثر تبعاً لظروف كل أسرة، وعدد أفرادها، وطبيعة عمل رب الأسرة وزوجته، وكثيراً ما تكون الحاجة إلى هذه العمالة من سائقين وخادمات من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها، كأن يكون لدى الأسرة طفل مريض، أو شخص مسن يحتاج إلى رعاية خاصة، إذن هي "شر لابد منه".
وفق الدراسة العلمية التي قمت بها بعنوان: "المرأة السعودية والخادمة".. اتضح من خلال الدراسة أن استخدام الخادمة شر تمليه الضرورة آنياً، ومن أجل التخلص منه لابد من العمل، وبشكل مدروس، ومنظم، وتضافر الجهود على المستوى الرسمي والشعبي للقضاء على هذه الظاهرة، أو الحد منها، ومن تفاقم آثارها، ووقف الاستخدام الذي لا مبرر له في كثير من الحالات لمثل هذه العمالة دون حاجة فعلية إليها.
ومن ضمن التوصيات والنتائج التي كشفتها الدراسة، وكإجراء مرحلي، من المهم إعداد دورات تدريبية للخادمات قبل التحاقهن بالعمل لدى الأسرة السعودية، وتزويدهن بمبادئ اللغة العربية، ومبادئ وعادات وتقاليد المجتمع السعودي.
أعود إلى القول إن الضرورة هي التي تجبر كثيراً من الأسر على الاستعانة بسائق لتوصيل الأبناء والبنات إلى مدارسهم، وقضاء حوائج الأسرة، أو خادمة للأعمال المنزلية المتنوعة.
وهذه الضرورة أيضاً هي التي تدفع بالأسرة السعودية إلى القبول بوجود سائق أجنبي، أو خادمة، مع ما في ذلك من مخاطر تتعلق بتربية الأبناء، فضلاً عن المخاطر والأضرار الأخرى الناتجة عن انحرافات هذه العمالة السلوكية، والتي أصبحت ظاهرة لا يمكن إنكارها، مع تزايد حالات هروب الخادمات، ووصولها إلى حد مخيف، لا يهدد استقرار حياة الأسرة فقط، بل أمن وسلامة المجتمع بأسره!
وإذا كنا لا ننكر أن كثيراً من الأسر السعودية تستعين بالسائق والخادمة من باب الترف والوجاهة الاجتماعية، وعدم قيام الآباء والأمهات بمسؤولياتهما الأسرية كما يجب، إلا أن ارتفاع تكاليف استقدام السائق والخادمة، ودرجة المخاطر المرتبطة بوجودهما، ولا سيما في السنوات الأخيرة، جعلت الكثيرين يقلعون عن هذا الترف ما لم تكن هناك حاجة فعلية إلى ذلك، باستثناءات لا تزال قائمة.
الضرورة التي أشرنا إليها، هي التي تجعل رب الأسرة في بلادنا يقبل طواعية أن يتحمل المبالغ الكبيرة لاستقدام العمالة المنزلية، والتي تبدأ بألفي ريال كرسوم تدفع لوزارة الخارجية، ثم خمسة آلاف ريال أخرى على الأقل كرسوم استقدام، إضافة إلى (1200) ريال تكاليف استخراج الإقامة لمدة عامين للخادمة أو السائق، هذا بخلاف تكاليف الفحص الطبي، وتذاكر السفر، والتأمين الصحي، وبدلات الإجازات السنوية، والسكن، وغيرها، وهذه المبالغ ومنها أيضاً أجور هذه العمالة، كثيراً ما تضيع عند إقدام الخادمة أو السائق على الهروب من الكفيل، وهو هروب حتمي، ليس لسوء المعاملة كما تدعي كثير من الخادمات، بدليل أن كثيراً منهن تهرب من كفيلها بعد أيام قليلة من وصولها إلى السعودية، وحتى قبل أن تكتشف شكل المعاملة، وحجم العمل المناط بها!
وهناك مئات بل آلاف من الحالات التي سجلتها ملفات الجهات الأمنية عن هروب الخادمات بعد أيام قليلة من تاريخ وصولهن إلى البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة للسائقين. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة هروب الخادمات تصل إلى 80 في المائة ممن يفدن للعمل في المملكة، فهل 80 في المائة من أبناء مجتمعنا يسيء معاملتهن؟! وهل يقبل عاقل أن يضحي بالمبالغ الكبيرة التي دفعها ليحصل على سائق أو خادمة فيسيء معاملتها إلى الحد الذي يدفعها إلى الهرب.. أم أن هناك أسباباً أخرى تغري العمالة المنزلية بالهرب؟!
الوقائع والأدلة التي تثبتها كل يوم التحقيقات مع العمالة المنزلية الهاربة التي يتم إلقاء القبض عليها، وهي لا تمثل شيئاً أمام عدد الهاربين، تؤكد وجود ما يشبه "مافيا تهريب الخادمات" وتشغيلهن لدى آخرين، وهذه المافيا تمتلك من الوسائل ما يمكنها من ذلك، فهناك سماسرة يتولون التخطيط لتهريب الخادمات، والتخطيط لذلك بمجرد وصول الخادمة، وكثيراً ما يتم الاتفاق على ذلك حتى قبل وصولها.
وقد أشار إلى ذلك صراحة رئيس اللجنة الوطنية للاستقدام في مجلس الغرف التجارية، مؤكداً أنه يملك قائمة بأسماء هؤلاء السماسرة، ومستعد لتقديمها، مرفقاً بها الأرقام الهاتفية لبعضهم إلى الجهات الأمنية والمعنية!
وقد ازداد حجم ظاهرة هروب أو تهريب الخادمات إلى حد أصبحت لها سوق سرية من خلال مكاتب خاصة لتشغيل الخادمات الهاربات، وكذلك الأمر بالنسبة للسائقين.
وعبر هذه المكاتب السرية، والتي يديرها أشخاص من الرجال والنساء من المقيمين أو المواطنين، أمكن للعمالة المنزلية الهاربة أن ترتع في جميع أرجاء بلادنا، وقد يستمر هروبها وعملها بصورة غير نظامية لسنوات طويلة، وهناك بالفعل حالات تم ضبطها بعد خمس أو ست سنوات في أماكن تبعد مئات الكيلومترات عن مقر إقامة الكفيل الأصلي للسائق الهارب أو الخادمة الهاربة، وهو الأمر الذي يؤكد تغلغل مافيا تهريب العمالة المنزلية، فمن الذي يقوم بنقل هذه الخادمة الهاربة إلى مدينة أخرى تبعد كثيراً عن محل إقامة كفيلها الأصلي؟ وكيف استطاعت - وهي لا تحمل إقامة أو جواز سفر - أن تقطع كل هذه المسافة، وتعمل لدى أسرة أخرى دون أي أوراق ثبوتية؟
الإجابة على هذه التساؤلات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ارتباط ظاهرة هروب العمالة المنزلية بجرائم أخرى تبدأ بالتزوير والسرقات، وتنتهي بالأعمال المنافية للآداب، في ظل ضعف الرقابة، وعدم فاعلية الإجراءات في مواجهة هذه المخاطر!
ومع حالة التفاؤل التي شعرنا بها جميعاً عندما تم اعتماد نظام البصمة في الجوازات، إلا أن التجربة العملية أثبتت أن هذه البصمة لم تنفع في الحد من ظاهرة هروب العمالة المنزلية، كما أن الشكاوى التي يتم تقديمها للجهات المعنية لا فائدة منها! وتشير الإحصائيات إلى أن الخسائر التي تتحملها الدولـــة، والأسرة السعودية جراء هروب العمالة المنزلية تقرب من 800 مليون ريال سنوياً، وهو ما يمثل مؤشراً على حجم الكارثة، وتفاقم الخطر، وضياع حقوق وأموال المواطنين الذين قد تدفعهم ظروفهم لاستقدام سائق أو خادمة، كما يمثل مؤشراً ناصعاً على ضعف آليات حماية المواطن من انحرافات هذه العمالة.
من حق وزارة العمل أن تسعى بكل جهد لحماية حقوق العمالة، بل إن هذا من صميم عملها، لكن السؤال الذي تفرضه الوقائع المرتبطة بظاهرة هروب العمالة المنزلية، من يحمي المواطن من انحرافات هذه العمالة، وهي الانحرافات التي تتجسد في أبشع صورها في هروب السائقين والخادمات، وممارسة أعمال منافية للدين، ومخالفة لنظام العمل، ومهددة لأمن الوطن؟ ومن الذي يعوض المواطن عن خسائره المالية التي تكبدها لاستقدام السائق أو الخادمة؟ ولماذا لا يدخل هذا ضمن اهتمامات وزارة العمل، وغيرها من الجهات المعنية؟!
إن عدم وجود إجابات واضحة على هذه التساؤلات، هو الذي أدى إلى تفاقم ظاهرة هروب العمالة المنزلية، والأخطار المرتبطة بها، من جرائم التزوير والدعارة، وحتى الزواج العرفي بين السائقين والخادمات، والذي لا يتعدى كونه وسيلة لشرعنة أو تقنين هذه الانحرافات.
ففي الوقت الذي تصدر وزارة العمل قراراً وزارياً يقضي بمنع الاستقدام لمدة عامين عن كل من يقوم بتشغيل أو إيواء عامل هارب أو عاملة هاربة من العمل لدى كفيله، والتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى بترحيل أي وافد يقوم بنقل أو المساعدة بالتشغيل أو الهروب لأي عامل أو عاملة.
وفي الوقت الذي تبذل الوزارة جهوداً كبيرة في حماية حقوق العمالة المنزلية نجد المواطن المتضرر من هروب هذه العمالة بلا أدنى حماية حقيقية، في ظل وجود بيوت سرية لتشغيل الخادمات بعيداً عن أعين الجهات الرقابية، واستمرار فوضى مكاتب الاستقدام، وتضارب صلاحيات واختصاصات الجهات المعنية، فيما يشبه التواطؤ فيما يتعلق بظاهرة هروب العمالة المنزلية، وهو تواطؤ أوجد سوقاً لهذه العمالة يديره زبانية لا يتورعون عن عمل أي شيء من أجل الكسب المادي، في أبشع صور الاستغلال لحاجة كثير من الأسر للسائق أو الخادمة، وليس أدل على ذلك من ارتفاع أجر الخادمة إلى ما يقرب من 2500 ريال شهرياً، في حين أن أجرها الطبيعي لا يتجاوز 600 ريال، والفارق بالطبع يذهب إلى جيوب من يأويها أو يساعدها على الهروب من كفيلها، ويقوم بتشغيلها لدى الآخرين، سواء كخادمة، أو كأنثى للمتعة الحرام، وهؤلاء الزبانية لا يتورعون عن مساعدة الخادمة على الهروب أكثر من مرة، وتزوير الإقامة الخاصة بها، في الوقت الذي قد تمتنع بعض الجهات عن تلقي بلاغات هروب العمالة المنزلية بسبب عدم وضوح الصلاحيات والاختصاصات
وقد يصل الأمر إلى حد تمكن العمالة المنزلية الهاربة من مغادرة البلاد بطرق ملتوية دون معرفة كفلائها، في استغلال للتشابه الواضح بين الخادمات من دول شرق آسيا، أو بمساعدة سفارات هذه الدول!
مثل هذه الفوضى، وضعف الإجراءات الخاصة، سمحت لظاهرة هروب العمالة المنزلية أن تشكل ليس فقط إهداراً لأموال المواطنين، وتهديداً لأمن وسلامة البناء الاجتماعي، بل أن تصبح وصمة عار تسيء للمجتمع السعودي، ولا سيما في ظل غياب كثير من الحقائق، فالخادمة أو السائق الذي يقبل القدوم للعمل في السعودية براتب شهري 600 ريال للخادمة و800 للسائق، وربما يدفع مبالغ كبيرة لشراء الفيزا من أحد مكاتب الاستقدام، يتطلع إلى راتب أكبر بمجرد وصوله، فيقدم على الهرب بمساعدة آخرين من أبناء جلدته، وينتشر ذلك بصورة واضحة بين العمالة الإندونيسية، والبنجالية على وجه الخصوص أكثر من غيرهم، حيث يحصل السائق أو الخادمة على ضعف الراتب، بينما يحصل من يقوم بتشغيله على مبالغ أخرى!
والمثير للدهشة أن الخادمة الهاربة أو من يقوم بتشغيلها، يستطيع بكل سهولة تحويل الأموال التي يحصل عليها إلى بلاده، عن طريق الإقامة النظامية التي أخرجها له كفيله الأصلي دون أن يكون هناك تعميم للبنوك بحظر التعامل مع الهاربين، أو يكون التحويل عن طريق آخرين يقيمون بصورة نظامية، وعبر البنوك السعودية، وهو الأمر الذي يفسر استمرار هروب السائقين والخادمات لسنوات طويلة
وإذا حدث وتم إلقاء القبض عليه، أو أراد السائق الهارب أو الخادمة الهاربة السفر إلى بلاده، بعد أن جمع ما يكفيه من المال خلال فترة هروبه، فما عليه إلا اللجوء إلى سفارته، أو تسليم نفسه إلى الجوازات، والتي سرعان ما تستدعي كفيلها لتخبره بوجود خادمته أو سائقه، وتخبره أنه يريد السفر إلى بلاده، وأن عليه تسليمه جواز سفره أو استخراج فيزا مغادرة له خلال أسبوع. والأدهى والأمر مطالبة الكفيل المكلوم والذي خسر ماله، ولم يستفد من الخادمة أو السائق بدفع قيمة تذكرة السفر ليغادر هذا الهارب والهاربة إلى بلاده دون أدنى مساءلة، ودون أن يستطيع المواطن المتضرر أولاً وثانياً أن يسترد ولو جزءاً من المبالغ التي أنفقها للحصول على السائق أو الخادمة، وحتى دون أن يعرف أين كانا خلال فترة هروبهما، والتي قد تستمر لسنوات!
ويبقى الحل مطلوباً وممكناً من خلال تكامل منظومة الإجراءات بدءاً من التدقيق في منح تأشيرات الدخول والخروج عبر البصمة أو غيرها، مروراً بتشديد الرقابة على التحويلات المالية للعمالة الآسيوية، فكيف لعامل لا يتعدى أجره 800 ريال تحويل عشرات الآلاف من الريالات سنوياً، دون أن نعرف مصدر هذه الأموال؟ فلِمَ لا يصدر تعميم للبنوك الوطنية بهذا الشأن؟
وتكتمل المنظومة بضرورة إلزام العامل الهارب بسداد المبالغ التي أنفقها المواطن لاستقدامه، إضافة إلى غرامات أخرى تتناسب مع فترة الهروب، وهذه الغرامات يمكن أن تذهب لصندوق تنمية الموارد أو مراكز التدريب والتأهيل المهني، أو غيرها من الجهات التي تحتاج إلى موارد مالية، ولا يسمح للعمالة المنزلية الهاربة عند ضبطها بالسفر من دون سداد هذه الغرامات، إضافة إلى تحمل قيمة تذاكر السفر، مع حرمانه من العمل مرة أخرى، وأن يربط تجديد رخصة القيادة بمدة الإقامة على السائق، وتجدد معها، ويعطى كفيله الحق في إلغائها في حال هروب السائق، ووضع إشارة في الحاسب الآلي تبين أن هذا العامل أو الخادمة أو السائق هارب، وتلزم نقاط التفتيش عند مرور أي عامل بالتأكد من سريان الرخصة والإقامة، وإن كان العامل أو الخادمة هاربين من خلال الحاسب الآلي، وأن يلزم الكفيل بوضع هاتف منزله وعمله وجواله في إقامة مكفوليه لتسهيل الاتصال به عند هروب مكفوليه.
ولا ينفصل عن هذه الوصفة العلاجية تشديد الرقابة على بيوت تشغيل الخادمات، والمكاتب التي تمارس هذا العمل بصورة غير نظامية، وكذلك توعية الأسر بمخاطر تشغيل العمالة المنزلية الهاربة.. وتحديد صلاحيات واختصاصات الجهات المعنية كافة فيما يتعلق بحماية حقوق المواطن.
نعم، إن مشكلة هروب العمالة المنزلية أصبحت تمثل ظاهرة في بلادنا، وهاجساً يؤرق جميع الجهات المعنية، والتي تجتهد في البحث عن حلول لها، لكن الملاحظ أن تشعب المشكلة، وتعدد الجهات المعنية، فضلاً عن ضخامة حجم هذه العمالة المنزلية، والقادمة من دول كثيرة، يعقد في كثير من الأحيان التوصل إلى حلول شافية لهذه المشكلة، لتستمر معاناة آلاف المواطنين واستنزاف أموالهم، بل وارتباك حياتهم، ويستمر أيضاً الخطر المحدق الناتج عن هروب الخادمات والسائقين، وعملهم في مهن تهدد الأمن الاجتماعي، أو تمثل خروجاً على الأنظمة والقوانين
مع الأسف فإن كثيراً من الحلول التي تطرح لحل هذه المشكلة، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك حجم العجز والتخبط والافتقار إلى الواقعية في تشخيص الداء ووصف الدواء. وليس أدل على ذلك ما نشر أخيرا عن قيام وزارة العمل بإعداد لائحة تأمين ضد هروب العمالة المنزلية، حيث حددت هذه اللائحة مبلغ رسم تأمين سنوي على كل فرد من هذه العمالة، وبالطبع فإن هذا المبلغ سيتحمله المواطن، الذي أثقل كاهله أصلاً بمبالغ كبيرة لاستقدام سائق أو خادمة. وتنص اللائحة على أن تتكفل شركات التأمين بما نسبته (60 في المائة) من التعويض في حالة هروب العمالة المنزلية، بينما يتحمل مكتب الاستقدام النسبة المتبقية من التعويض.
وتبني وزارة العمل لهذه اللائحة مؤشر واضح على عجزها عن علاج مشكلة هروب العمالة، لأن فكرة التأمين أصلاً تقوم على أساس تخفيف أضرار حوادث لا يستطيع الإنسان الحيلولة دون وقوعها، كحوادث السيارات، أو الحرائق، أو انهيارات المنازل، أو حتى إصابات الملاعب والعمل، وغيرها من الحوادث التي لا يسعى أحد إليها.
ولو سلمنا بمنطق وزارة العمل الذي تتضمنه مثل هذه اللائحة في تعويض المواطنين عن الأضرار الناتجة عن هروب العمالة، يصبح من حقنا أن نسأل عن الآليات العملية التي تضمن وفاء شركات التأمين، ومكاتب الاستقدام بدفع قيمة التعويض، وتقدير المبالغ المستحقة، والوقت الذي يستغرقه ذلك.
ولعل في ممارسات شركات التأمين بشأن حوادث السيارات على سبيل المثال، ما يجعلنا لا نثق كثيراً بجدية وفاعلية هذه اللائحة، يضاف إلى ذلك أيضاً التزام مكاتب الاستقدام، ولنطرح سؤالاً آخر: ماذا لو أغلق مكتب الاستقدام أو توقف عن النشاط؟ كيف يمكن إلزامه بسداد حصته في مبلغ التعويض؟
ومن الحلول غير الواقعية أيضاً التي طرحت أخيرا لمشكلة هروب الخادمات على وجه الخصوص، ما أشار إليه رئيس اللجنة الوطنية للاستقدام في مجلس الغرف السعودية الأستاذ سعد البداح، من اتجاه اللجنة إلى تطبيق إجراء يتمثل في أخذ تعهد ملزم على ولي أمر الخادمة في بلدها أمام الجهات المختصة هناك، يكون ضماناً لعدم هروبها، ويتضمن هذا الإجراء ـــ على حد تعبير البداح ـــ مطالبة ولي أمر الخادمة بدفع التكاليف التي تكبدها المواطن كافة في حال هروبها.
ومثل هذا الاتجاه قد يبدو مثالياً من الناحية النظرية فقط، أما مسألة تطبيقه فشيء آخر أقرب إلى المستحيلات، فولي أمر الخادمة الذي قبل أصلاً بسفر ابنته أو أخته أو زوجته للعمل خارج وطنها، بالطبع لا يملك القدرة على سداد المبالغ التي دفعها المواطن، والتي تزيد على 15 ألف ريال، لاستقدام هذه الخادمة أو تلك. وحتى لو توافر له هذا المبلغ، ما الذي يجبره على السداد؟ وهل سيتعرض للحبس ما لم يسدده؟ وهل يعقل أن الجهات المختصة في بلد ما مثل تلك البلاد التي تفد منها هذه العمالة ستمارس ضغوطاً لإلزامه بالسداد؟ وما الموقف إذا قال ولي الأمر هذا إنه لا يعرف شيئاً عن الخادمة الهاربة أو أسباب هروبها؟ أو يدعي أنه تلقى اتصالاً منها يفيد أنها هربت لأنها لم تحصل على راتبها، أو تعرضت لأي ضغوط أو ممارسات أخرى دفعتها للهرب، وما الذي يمنعه من مطالبة الجهات المعنية في بلاده بالعمل على عودة أخته أو ابنته الهاربة التي لا يعرف عنها شيئاً، وقد يكون صادقاً أو كاذباً؟
وخلاصة القول: إن هذا التعهد إن حدث لا قيمة له من الناحية العملية، فإذا كانت سفارات الدول التي تأتي منها العمالة المنزلية، تسهل في بعض الأحيان تسفير العمالة الهاربة، وتضغط كثيراً على الجهات الحكومية في حال تعرضهم لأي تجاوزات، فهل نتوقع من الجهات الحكومية هناك أن تلزم مواطنيها بسداد التكاليف التي تكبدها المواطن السعودي في حال هروب خادمته؟ بالطبع لا.
إنه لشيء مؤسف أن تهدر الأوقات والطاقات في البحث عن حلول وهمية، وتلمس لمخارج من هذه المشكلة في الاتجاه الخطأ، وهذا يضعنا أمام مأزق آخر يتمثل في ضعف قدرات من يتولى ملف هذه القضية الخطيرة.
وإزاء هذا العجز في علاج ظاهرة هروب العمالة المنزلية، وغياب الواقعية عن كثير من الحلول المقترحة، يصبح من المنطقي توقع تفاقم الظاهرة والخطر المرتبط بها، ويصبح لزاماً أيضاً أن نشكر جهود الأجهزة الأمنية في التصدي لهذا الخطر. في انتظار أن تبدأ وزارة العمل، وبقية الجهات الأخرى، البحث عن حلول عملية وواقعية تبدأ بالتعامل مع الأسباب الحقيقية للمشكلة، وفي مقدمتها تلك العصابات المنظمة التي تسهل هروب الخادمات، مروراً بالمواطن الذي يتملكه شعور الأنانية، فيقبل بتشغيل الخادمة الهاربة أو السائق الهارب، متغافلاً عن مخالفة كل منهما أنظمة البلاد، وقوانين العمل، ومشجعاً لهذه العمالة على ابتزاز غيره من المواطنين، واستغلال حاجتهم لتحقيق مكاسب مالية أكبر، وصولاً إلى ملاحقة المكاتب الوهمية لتشغيل الخادمات، والتي أصبحت أشبه بداء خبيث يصعب استئصاله، حيث تعمل هذه المكاتب بعيداً عن أي رقابة أو مساءلة!

الأكثر قراءة