المرأة السعودية.. من الطبخ إلى التسخين

[email protected]

المجتمع لا يستقر ولا تنتظم أموره إلا بسلامة وضع المرأة فيه, الأسرة تتهدم أركانها إن افتقدنا المرأة في بيتها، والمجتمع يتعطل الكثير من حركته إن غابت عنه المرأة, والمجتمع تخترق ثقافته وتنتشر فيه الخرافات والأباطيل إن لم نهتم بتثقيف المرأة وتوعيتها. والمرأة إذا تجمدت عاطفيا وتكلست مشاعرها اكتأب المجتمع وازدادت مشكلاته النفسية, فعطف المرأة وحنانها لهما دور كبير في تلطيف مشاعر المجتمع وترقيق مشاعر الناس. الطفل المعاند والمشاكس والعدواني في التعامل مع غيره هو ربما اختل توازنه واضطربت نفسه لأن أمه لم تشبعه عاطفيا ولم تروه من صدرها وحنانها, والرجل تضطرب حياته وتكثر مشكلاته وتزداد همومه ويعتل بدنه عندما تختل علاقته العاطفية بالمرأة.
وعلى الرغم مما يقال عن المرأة السعودية وضعفها وانشغالها بنفسها عن مجتمعها وقلة حضورها إلا إنها أقوى امرأة في العالم تاثيرا في مجتمعها, فالبعض يبرر ضعفنا بحجة أن المرأة عندنا لم تأخذ حقوقها, وبالتالي فعلى المجتمع أن ينشغل باستنهاض المرأة وإثارتها للمطالبة بحقوقها والضغط علينا من أجل الاعتراف بدورها الاجتماعي وليس الأسري فقط. أما البعض الآخر فأشد ما يقلقه وأكثر ما يخيفه هو أن يسمع للمرأة صوتا في المجتمع, فهو يخاف منها أن تكتب ويخاف منها أن تخطب ويخاف منها أن تحاضر ويخاف منها أن تناقش, ويخاف منها أن تعمل ويخاف منها أن تتعلم ويخاف من أدبها ويتوجس من فكرها ولا يرتاح لأي مشاركة لها في المجتمع. الكثير من همومنا الداخلية محورها المرأة, والكثير من قضايانا مع العالم الخارجي هي الأخرى محورها المرأة. إذا أراد البعض أن ينتقدنا سياسيا استشهد بوضع المرأة عندنا ليستقوي بها علينا, وإن كان الموضوع اقتصاديا ذكرونا بأننا لن نستطيع أن نؤسس لتنمية اقتصادية مستدامة من دون أن تأخذ المرأة نصيبها العادل في النشاط الاقتصادي, فهم يقولون لنا إن التنمية في الوقت الحاضر هي التنمية التي يقوم بها الإنسان بفكره وعقله وإبداعاته, وعليكم أن تستفيدوا من التقنيات الحديثة لتفعيل المرأة فكريا وثقافيا.
لا نريد أن نصدق أن المرأة هي السبب لكل مشكلاتنا التي نعانيها, بل لعل المرأة نفسها وما عندها من مشكلات وما تواجه من معوقات هي الأخرى انعكاس طبيعي لما نعيشه نحن المجتمع من أزمة متعددة الروؤس, ولكن بالتأكيد على المرأة دور كبير في حل مشكلاتنا والنهوض بواقعنا. نحن اليوم نعيش أزمة مع بطوننا, فمجموع ما عندنا من وزن زائد يتجاوز مائة مليون كيلوجرام من الشحم واللحم والكروش المنتفخة والأرداف المترهلة, وبهذا الوزن الزائد احلوت دماؤنا, فثلثنا اليوم مصاب بمرض السكري وهذا المرض معروف طبيا بأنه تشيخ به أبداننا ونحن في شبابنا. وكيف لا تمرض به قلوبنا وهي مطالبة بأن تعمل أكثر من طاقتها لإمداد كل هذه البلايين البلايين من الخلايا التي تكتنزها هذه الكيلوجرامات الزائدة في أجسامنا؟! وكيف لا نعذر مفاصلنا وظهورنا من أن تصرخ وتتألم وتشتكي من عدم قدرتها على الحركة ونحن نحمل في يقظتنا ونومنا ومشينا وجلوسنا كل هذه الكتل الزائدة في أجسامنا؟! وكيف لا تتراجع الثقافة عندنا وعقولنا قد أشغلناها بأبداننا؟! فمن أين لعقولنا أن تمسك نفسها وتبقى مكانها وتنشغل بأمرها وكروشنا المتدلية تسحبها إلى الأسفل وتشدها إليه؟! علينا ألا نلوم الثقافة إن لم تجد عندنا ما يسرها فنحن قوم مشغولون ببطونهم.
بصمتنا الغذائية باتت ثقيلة على جيوبنا ومرهقة لأبداننا ومعطلة لحركتنا ومعوقة حتى لفكرنا وثقافتنا, ولن نستطيع أن نلطف من هذه البصمة الغذائية وبذلك نخفف من آثارها السلبية فينا وفي حياتنا من دون أن نعيد المرأة إلى مطبخها. لا أحد يطالب المرأة بأن تترك عملها ولا أن تتخلى عن دورها في خدمة مجتمعها ولا أن تنشغل بنا بالكامل على حساب نفسها, ولكن المطلوب ببساطة هو ألا تهجر مطبخها. عندما تخلت المرأة عن مكانها في المطبخ وصارت الخادمة هي التي تصول وتجول فيه, وعندما صارت المطابخ في البيوت هي للزينة والاستعراض فقط ولا تشتم فيها رائحة الطبخ لأننا لم نعد نستحق من الطعام إلا ما يعد في المطابخ الوسخة Dirty Kitchens والجانبية> وعندما صارت المرأة مثل غيرها من أفراد العائلة تنتظر أن ينادى عليها للطعام, فكيف لنا ألا نواجه بمثل هذه المشكلات وألا تكثر الأمراض عندنا. خروج المرأة من مطبخها قد غير من ثقافتنا الغذائية ونحن في حاجة إليها لأن تعود إلى مكانها وأن تمارس فيه دورها الطبيعي وإلا ستكون النتائج وخيمة والعواقب أليمة.
صحيح أن كثيرا منا ممن يعتقد أن الثقافة ينحصر دورها فقط في تعديل المعوج من أفكارنا وآراءنا وننسى أن الثقافة دورها الرئيس هو في تعديل المعوج في حياتنا وتقويم غير المستقيم من أمور دنيانا. هذا الفصل القسري للثقافة عن الواقع هو الذي جعلنا نقول ولا نفعل, وننظر ولا نمارس, ونحتد في النقاش النظري ونبرد في العمل والتطبيق. فخروج المرأة من مطبخها أخل بحياتنا وتسبب في بروز مظاهر أثرت سلبا فينا, فوعي المرأة لأهمية وجودها في المطبخ هو في الحقيقة معالجة للكثير من مشكلاتنا الصحية والاجتماعية وحتى الاقتصادية منها.
ثقافتنا الغذائية اختلت بخروج المرأة من مطبخها, وهناك الكثير من الأمور والمظاهر التي تكشف لنا عن هذا الاختلال, ومنها باختصار:
1- من الطبخ إلى التسخين: كلنا يعرف أن المواد الغذائية تفقد الكثير من قيمتها الغذائية عندما لا تكون طازجة, وقصر المدة التي توجد فيها المرأة في المطبخ تعني أنها تسخن الطعام ولا تطبخه، فالأغذية المجمدة والمبردة والمبيتة كلها قد تشبع الإنسان ولكن فيها كثير من الأضرار على صحتنا. هناك فرق شاسع وواسع بين الطبخ والتسخين وكلما مالت الكفة للتسخين وليس للطبخ فهذا مؤشر قوي على عدم سلامة طعامنا, والحل عند المرأة وليس عندنا نحن الرجال.
2 ـ الأكل في المطاعم: لا يمكن لنا أن نفسر كثرة المطاعم عندنا إلا لأن المرأة عندنا لم تعد توجد في مطبخها وبغيابها اضطررنا إلى الذهاب كثيرا إلى المطاعم. ليس هناك اعتراض على الأكل في المطاعم بل الاعتراض هو أن يحل أكل المطعم محل أكل البيت. بكل المقاييس يعد أكل المطاعم خيارا غير جيد لنا، فالنظافة مفقودة حتى في أرقى المطاعم, وهذا ما كشفت عنه إحدى الجرائد الإيطالية عندما استقصت عن النظافة في أرقى المطاعم في إيطاليا فوجدت أن 80 في المائة منها دون مستوى النظافة المطلوبة منها, فكيف بحالنا ومطاعمنا توظف الهاربين من العمال أو أنها تشغل من العمال ممن هم أصلا لا يمارسون النظافة في حياتهم, وهذا غير الحديث عن الرقابة المفقودة عليهم في كثير من الأحيان. وهل لنا أن نتوقع ممن همه الربح فقط أن يشتري لنا الجيد من المواد الغذائية؟ الم يكن أسوأها لإعداد طعامنا, وهناك خوف حقيقي من أن مصير كثير من الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية هو الطعام الذي نأكله في المطاعم.
3 ـ الطعام الفارغ: عندما لا يشبع أفراد العائلة كبيرهم وصغيرهم من الطعام الطازج والمطبوخ في البيت وبيد سيدة البيت فإنهم من الطبيعي سيأكلون من الطعام الذي هو إما فقير غذائيا وإما فارغ كليا من المواد الغذائية الضرورية. فهناك الكثير من المواد والمنتجات الغذائية الموجودة في الأسواق, حرام أن يطلق عليها مواد غذائية, لأنها في الحقيقة طعام ولكنه طعام فارغ وهو ليس إلا مجموعة أو خليط من السكريات والألوان والأصباغ والسموم الكيماوية والنكهات الصناعية. وهذه كلها لا تغذينا ولكنها بالتأكيد ستجلب كل أنواع الأمراض علينا, فحرص المرأة في الوجود في مطبخها كفيل بتخليصنا, خصوصا أطفالنا ولو جزئيا من هذه المواد غير الغذائية.
4 ـ طعامنا يستحق منا أكثر: المرأة غير المهتمة بمطبخها التي لا تستمتع بالطبخ وإعداد الطعام تستكثر ما يصرف على الطعام, فهي دائما تبحث عن الأرخص قيمة وليس الأجود وإن كان الأغلى. على الرغم من أن الطعام هو من أهم الأشياء في حياتنا إلا أن نصيبه من ميزانياتنا قد لا يتجاوز حتى 20 في المائة, وهذا الخلل لا يصحح إلا بعودة المرأة إلى مطبخها. فالمفروض أن ندفع أكثر لنأكل أقل, وليس ندفع أقل لنأكل أكثر من الطعام غير الجيد وغير الصحي.
5 ـ من يأخذ وقت الطبخ: هناك الكثير من الدراسات التي تؤكد أن الوقت المستقطع من الطبخ والوجود في المطبخ هو في النهاية لصالح تسوق المرأة أو الجلوس لمشاهدة التلفزيون أو الجلسات غير المجدية, وكل هذا له تبعات وعواقب ضارة على المرأة نفسها صحيا ونفسيا وعلى الأسرة اقتصاديا واجتماعيا.
نعم لا تتحمل المرأة مسؤولية الظروف التي أدت بها إلى أن تهجر مطبخها ولكننا اليوم في أمس الحاجة إلى عودتها, فأطفالنا في أزمة لكثرة ما يعرض عليهم من الأكل غير الصحي في المدارس والأسواق والمطاعم وصحتنا في تدهور لكثرة ما نأكل في المطاعم أو ما يقدم لنا من طعام المعلبات وما يسخن لنا من أطعمة بائتة أو مجمدة والتي قد نكتفي بتسخينها حتى بأكياسها وعلبها والشكر في ذلك لأجهزة المايكروويف. إن المرأة في مطبخها هي وزيرة الصحة وهي وزيرة الاقتصاد وعليها ألا تنخدع بمن يقلل من شرف هذه المهمة أو أن يقلل من قيمتها أو أن يحط من قدرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي