العمالة البنغالية والصفقات السيئة
استأثر البنجلادشيون أخيرا على كثير من الاهتمام الإعلامي، ولكن لأسباب خاطئة فإن هذه الشريحة من الوافدين تعرضت لظلم كبير عندما ألصقت بها تهمة القيام بأنشطة إجرامية داخل حدود المملكة، وهذا تعميم ينم عن ظلم كبير لغالبية هؤلاء العمال الذين جاءوا من جنوب آسيا للمساهمة في التنمية والتطوير.
ومن المؤسف أن تركز وسائل الإعلام عندنا على ما تقترفه قلة من العمال البنغال لتوصم كل العمالة البنجلادشية التي تؤدي خدمات جليلة في جميع أنحاء المملكة. وأتفق تماماً مع ما كتبه قارئ بنجالي حين قال: "يحق للذين يقفون خلف هذه الحملة الشعواء باتهام البنجلادشيين بمختلف الأنشطة الإجرامية أن يهنئوا أنفسهم، فقد نجحوا في تشويه صورة شعب بأكمله من بينهم الأطباء، المهندسون، المدرسون، الأساتذة، رجال الأعمال، المستشارون، المديرون، الإداريون، عمال النظافة، السائقون، الحراس، المزارعون، عمال اليومية، وغيرهم مثلهم مثل أي عمالة وافدة في المملكة".
وبينما يسود فهم خاطئ بأن هذه المجموعة من الضيوف يؤدون الأعمال الوضيعة، إلاّ أن هذا فهم يجانبه التوفيق. ولا ينكر أحد أن بنجلاديش من الدول الفقيرة بعدد سكان يتجاوز 140 مليون نسمة إلاّ أنها مثل غيرها من الدول النامية يبحث سكانها عن فرص العمل خارج حدود أراضيها. وهذا أمر لا يقلل من شأن هذه الدولة ولا من شرف وكرامة العمال القادمين منها.
ويحق للبنغال أن يفخروا بما حققوه على الصعيد العالمي وبما وصل إليه البعض منهم. فمن منا لا يعرف محمد يونس، الاقتصادي البنغالي الذي فاز بجائزة نوبل عام 2006م لدوره الريادي في الإقراض الائتماني للمشاريع الصغيرة خاصة للنساء في بلاده؟ إن تقديم القروض الائتمانية للمشاريع الدقيقة الذي بدأه هذا الرجل في بنجلادش يطبق اليوم في نحو 68 بلدًا، من بينها الولايات المتحدة.
ومن منا يجهل السيدة إيرين خان، المرأة البنغالية التي كانت أول سيدة من قارة آسيا ومن العالم الإسلامي تصبح رئيسة لمنظمة العفو الدولية عام 2001م.
وشخصية ثالثة من بنجلادش هي بيبي رسول التي بدأت حياتها كعارضة للكثير من بيوت الأزياء منها على سبيل المثال إمبوريو، جورجيو أرماني، ييف سان لوران، كارل لاجرفيلد وكنزو. وفي عام 1994م بدأت هذه السيدة عملها من بنجلادش حيث قامت بتصميم الأزيار البنغالية وتصديرها لمختلف أنحاء العالم حيث يعمل في مصانعها للغزل أكثر من 35 ألف شخص. وقد اكتسبت ملابسها المصنوعة يدويا شهرة كبيرة في بنجلاديش وفي باقي أنحاء العالم.
وليس أقل شهرة من كل هؤلاء فضل الرحمن خان المهندس المعماري البنغالي الذي قام بتصميم مركز جون هانكوس في شيكاغو الذي يصل ارتفاعه إلى 100 طوابق وبرج سيرز الذي يبلغ ارتفاعه 110 طوابق وهو أعلى مبنى في الولايات المتحدة من اكتماله عام 1974م. وفي عام 1998م قامت مدينة شيكاغو بتسمية تقاطع شارعي جاكسون وفرانكلين (الذي يقع تحت برج سيرز) باسم طريق فضل الرحمن خان تكريما له. ولا ننسى في هذه العجالة الدكتور عبد الوابد فهو كاتب مرموق قام بتأليف أكثر من 300 كتاب ومجلة إلى جانب كونه معلما، مترجما، كاتب عمود وباحثا أثرى كثيرا الأدب البنغالي من خلال كتاباته وأبحاثه.
وهذه النماذج المشرفة التي ذكرت هي من بين كثير من النجوم البنغالية التي أسهمت من خلال أعمالها ومواهبها في الجهود الإنسانية محليا وعالميا.
ولا أحسبني مجافياً للحقيقة إن قلت إن من العار أن نوصم كل ضيوفنا من العمالة البنغالية الوافدة بالإجرام بسبب أعمال قلة منهم. وبدلاً من ذلك لماذا لا نقوم بتحليل الأسباب التي تدعو العمالة الوافدة وليس البنجلادشيين وحدهم إلى الانغماس في الأنشطة الإجرامية. ألاّ يمكن أن يكون السبب هو حرمان هؤلاء الناس من حقوقهم واستغلالهم لدرجة الإحباط واليأس؟؟
ومما لا شك فيه أنه لا توجد أية شريحة عمالية، بما فيها السعوديون أنفسهم تخلو من السلوك الإجرامي، لكن لا يجب أن نحكم على جوال التفاح بأنه فاسد بأكمله لمجرد وجود حبات قليلة فاسدة. إن فشلنا في إدراك هذه الحقيقة البديهية سيكون كارثة محققة.