هل يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات وبطاقات الائتمان؟

هل يجوز شرعا دفع ثمن شراء الذهب والفضة وغيرهما من المعادن الثمينة بالشيك أو ببطاقة الائتمان؟!.. قد يستغرب بعض القراء هذا التساؤل لأن الشيك كما هو معروف يعد من الناحية القانونية أداة وفاء يقوم مقام النقود في المعاملات كما أن بطاقة الائتمان تعد أداة وفاء بقيمة السلع والخدمات التي حصل عليها حامل البطاقة بدلا من الوفاء النقدي.
لإزالة غرابة هذا التساؤل لا بد من أن نوضح في عجالة القواعد الشرعية الخاصة ببيع وشراء الذهب والفضة وغيرهما من المعادن الثمينة ونبدأ هذا التوضيح بسرد نص الحديثين الشريفين التاليين:
1- (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى – الآخذ والمعطي فيه سواء).
2- (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد).
بناء على هذين الحديثين الشريفين والأحاديث الأخرى المشابهة اتفق جمهور الفقهاء على أنه يشترط لصحة بيع شيء من هذه الأصناف المتجانسة بمثله ما يلي:
1- الشرط الأول المماثلة أي التساوي في الوزن والقدر دون زيادة أو نقص فمثلا لا يجوز استبدال أساور ذهبية قديمة بأساور جديدة وإن اختلف نقشها وصياغتها إلا أن يكونا متماثلين في الوزن والقدر، ولا يجوز استبدالهما ودفع فارق الصياغة بين القديم والجديد. ومن أراد أن يجري هذا الاستبدال فعليه أن يبيع أساوره بيعا مستقلا ثم يشتري ما يشاء من حلي وأساور بالنقود المتعامل بها.
2- الشرط الثاني التقابض في مجلس العقد وعدم تأجيل أحد البدلين إلى وقت آخر لقوله - عليه الصلاة والسلام - (يدا بيد) بمعنى مقابضة في المجلس، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء) أي خذ وأعطني في الحال دون تأخير ولا تأجيل.
3- فإذا اختلف الجنس كبيع الذهب بالفضة فإنه يصح البيع والشراء بالزيادة على قيمته أو بنقصها بشرط التقابض في مجلس العقد لقوله - صلى الله عليه وسلم - (فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد) أي بشرط التقابض فورا.
والسؤال هنا إذا كان التقابض أي دفع الثمن وتسلم المبيع في مجلس العقد شرطا لازما لصحة بيع وشراء الذهب والفضة، فهل إذا دفع المشتري الثمن بواسطة الشيك يتحقق وجود أحد عنصري التقابض؟
أفتى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، يرحمه الله، بأنه (لا يجوز التعامل بالشيكات فهي ليست قبضا وإنما هي وثيقة حوالة فقط، بدليل أن هذا الذي أخذ الشيك لو ضاع منه لرجع إلى الذي أعطاء إياه ولو كان قبضا لم يرجع إليه وبيان ذلك أن الرجل لو اشترى ذهبا بدراهم وتسلم البائع الدراهم فضاعت منه لم يرجع إلى المشتري، ولو أنه أخذ من المشتري شيكا ثم ذهب به ليقبضه من البنك ثم ضاع منه فإنه يرجع إلى المشتري بالثمن، وهذا دليل على أن الشيك ليس بقبض وإذا لم يكن قبضا لم يصح البيع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ببيع الذهب بالفضة أن يكون يدا بيد، إلا إذا كان الشيك مصدقا من قبل البنك واتصل البائع بالبنك وقال ابق الدراهم عندك وديعة لي، فهذا قد يرخص فيه).
وذهب إلى هذا الرأي أيضا مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في قراره رقم 88/1/د9 المتخذ في دورة مؤتمره التاسع في أبو ظبي في الإمارات العربية التي انعقدت في الفترة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق من 1 إلى 6 نيسان (أبريل) 1995، حيث نصت الفقرة (أ) من البند الأول المتعلق بتجارة الذهب على ما يلي:
(يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة، على أن يتم التقابض في المجلس).
أما بخصوص دفع الثمن بواسطة بطاقة الائتمان فإنه تحسن الإشارة في البداية إلى أن قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي ذات العلاقة ببطاقات الائتمان، فرقت بين البطاقة المغطاة والبطاقة غير المغطاة، فالبطاقة المغطاة هي التي يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب مصدر البطاقة، أما البطاقة غير المغطاة هي ما يكون الدفع بموجبها من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وأجازت قرارات مجلس المجمع المذكور إصدار بطاقات الائتمان سواء كانت مغطاة أو غير مغطاة إذا كانت لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين. أما فيما يتعلق باستخدام هذه البطاقات في شراء الذهب والفضة فقد قرر مجلس المجمع المذكور في البند (4) من قرار رقم 108 المتخذ في دورته الثانية عشرة في الرياض التي انعقدت في الفترة من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى 1 رجب 1421هـ الموافق 23 – 28 أيلول (سبتمبر) 2000، ما يلي:
(لا يجوز شراء الذهب والفضة، وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة).
وفي دورته الخامسة عشرة التي انعقدت في مدينة مسقط في عُمان من 14 إلى 19 المحرم 1425هـ الموافق 6 – 11 آذار (مارس) 2004، قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في الفقرة (ج) من قراره رقم 139 ما يلي:
(يجوز شراء الذهب أو الفضة أو العملات بالبطاقة المغطاة).

نخلص من جميع ما سبق إلى ما يلي:
1- إن التقابض في مجلس العقد شرط لصحة عقد بيع وشراء الذهب وتبعا لذلك لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع قبل القبض.
2- إن شرط التقابض في بيع وشراء الذهب والفضة لا يتحقق إذا دفع الثمن بواسطة الشيك العادي، إذ لا بد أن يكون الشيك مصرفيا أي ما يعرف في المصطلح الشائع (الشيك المصدق).
3- إن شرط التقابض في بيع وشراء الذهب والفضة لا يتحقق إذا دفع الثمن بواسطة بطاقة ائتمان إلا إذا كانت هذه البطاقة مغطاة ولم تتضمن شروطها دفع الفائدة عند التأخر في السداد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي