تحسين الصورة
[email protected]
يعمد العديد من المؤسسات والهيئات أخيرا إلى القيام بالعديد من الحملات الإعلانية والإعلامية التي تهدف من خلالها إلى تحسين الصورة، ولا ينحصر ذلك في المؤسسات، بل يمتد في بعض الأحيان إلى الأفراد، فبعضهم يهتم بأن يقوم ببعض الإجراءات ويتخذ بعض المواقف طمعاً في أن يحسن صورته في المجتمع، وقد يشمل ذلك الدول أيضاً.
ومبدأ تحسين الصورة هو مبدأ يرتكز لدى الكثيرين على الإعلام، غير أن ما يقوم به الإعلام اليوم من أجل هذا الأمر للكثير من المنظمات هو أشبه ما يكون بما وصفه أحدهم عندما يقف الرجل أمام المرآة فيرى وجهه منفراً قاتماً فيطلب عادة تحسين الصورة بتغيير المرآة، ويعمل جاهداً أن يغير المرآة مرة بعد أخرى دون أن يعترف ولو للحظة أن وجهه قبيح، وأن المشكلة ليست في المرآة بل هي فيه.
وهذا ما يحدث اليوم إذ إن العديد من الجهات يقوم جاهداً بشكل رئيس بحملات إعلانية لتحسين صورته ويحرص على ذلك من خلال الظهور بشكل جديد أو الإعلان عن رسالة ورؤية جديدة أو دعوة الصحافيين والكُتّاب والإعلاميين إلى مؤتمر صحافي أو غيرها من الأساليب التي هي في نهاية المطاف محصورة في الصورة فقط ولا تمس الجوهر، فهي أشبه ما تكون بالمكياج على الوجه يمكن أن يُزال بقطرات بسيطة من الماء ليكشف الصورة الحقيقية.
للأسف إن كثيراً من المال يُصرف وكثيراً من الوقت يضيع على أنشطة وفعاليات وبرامج ووفود تنتقل من مكان إلى آخر لتعمل على تحسين الصورة وهي في حقيقتها تعلم يقيناً أن ما تعرضه من صورة ليست حقيقية، بل هي صورة وهمية يأمل بعضهم في أن تكون حقيقية. وكم أشعر بالتعاطف مع بعض الوكالات العالمية التي توكل إليها مهمة تحسين صورة جهات أخرى استقر في أذهان الناس مستوى التردي والسوء الموجود لدى هذه الجهات منذ عشرات السنين وينطبق هنا المثل القائل (هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ).
من أهم أسباب نجاح برامج تحسين الصور لمثل هذه الجهات، أن تحرص على إعادة النظر في المضمون قبل الشكل الخارجي، وأن تكون لديها الرغبة الصادقة والنية الخالصة للتغير، فلن ينفع أن نعيد تصميم الشعارات وتبقى طريقة تفكيرنا، كما هي، ولن ينفع أن نعيد إطلاق الخدمات بأسماء جديدة وتبقى طريقة إدارتنا لها كما هي، ولن ينفع أن نغير النماذج وألوان الأوراق وغيرها من الشكليات ولم تتغير الإجراءات ولن ينفع أن ننتقل إلى مكاتب جديدة واسعة ومواقع متطورة ويبقى العنصر البشري لهذه المنشآت بالقدرات نفسها ولن نتمكن من تحسين الصورة ونحن نهتم بالمظهر وننسى المضمون ولن نتمكن من تحسين الصورة ونحن نعمل بالطريقة نفسها التي كانت موجودة منذ عشرات السنين في عصر أصبحت التقنية تتحكم في كل شؤونه.
مبدأ تحسين الصورة مبدأ جميل ولكن يحتاج إلى خطوة أولية وهي تحسين المضمون وعدم القيام بهذه الخطوة لتحسين المضمون ستكلف هذه الجهة تحسينا آخر وآخر، والنتيجة ستزداد سوءاً على سوء وقد يتساءل القائمون على المنشأة: ماذا نفعل؟ لقد عملنا على تحسين الصورة والتواصل مع الإعلام وبذل كل ما يمكن في هذا السبيل غير أن الصورة لم تتغير وقد نسوا أو تناسوا أن السبب هو أن المضمون لم يتغير.
إن الأسلوب التقليدي لتحسين الصورة لكثير من الجهات يجب أن يتغير وأهم عناصر هذا التغيير هو التغيير على أرض الواقع قبل التغيير الشكلي بحيث يشمل سرعة الإنجاز وحسن التعامل وسهولة الإجراءات وتطوير قدرات الموارد البشرية وتحسين المرافق العامة وتوفير الخدمات الرئيسة فيها وتشجيع ورفع معنويات العاملين حتى يستطيعوا أن يقدموا أفضل الخدمات للآخرين، وأفضل مَن يمكن أن يحكم على جمال الصورة هو مَن يستفيد من الخدمة لا مَن ينظر إلى شكلها.