القارئ .. وسلطوية القارئ الآخر
إن الكاتب .. والقارئ كليهما يعيشان تجربة طويلة في علاقتهما مع القراءة والكتابة، وتستمر التغيرات لديهما إلى أن يصل كُلّ واحد منهما إلى النتيجة النهائية، فالكاتب تجده في كلّ مرة يكتب بأسلوب مختلف، وفكر مختلف، وطريقة مختلفة، ومن خلال كونه " قارئا" في مكان آخر .. فإنه يتأثر ويُعايش تجارب مختلفة في رحلته مع الكتاب الآخرين، وتراه في كل مرة يتبع أحدهم إلى أن يتكون أسلوبه الخاص به بعد صقل تجربته، وأمّا القارئ .. فإن هويته لا تتحدد إلاّ بعد أن يقرأ كثيراً ويعيش تجربة القراءة في أكثر من نوع ومع أكثر من فكر، حتى يصل إلى قناعة ما، حينها يسير وفق قناعته.
ولكن هذا ما لا نراه من بعض أصحاب التجارب الذين ينتمون إلى فكر معيّن، فإنهم ومن تجربة طويلة قد وصلوا إلى قناعتهم، وحددوا لأنفسهم الفكر الذي يتبعونه، ومن ثمّ أصبحت قراءاتهم متخصصة في الأغلب، ولكن كل هذا عادي ويحدث مع كل قارئ، ولكن ما لا يجب أن يحدث هو السلطوية التي يمارسها بعض هؤلاء على القراء الآخرين.
كل قارئ له حق معايشة التجربة، فيقرأ في كل نوع، وفي كل تخصص، وفي كل مرة يكون عليه تأثير مختلف، ورأي مختلف، ويحتاج كثيراً إلى الصقل في شخصيته، ولكن إن صنعها بنفسه هو ستكون هي شخصيته الحقيقية التي وصل إليها من خلال تجربته هو.
كما أن للكاتب سلطوية على القارئ حينما يعتبر نفسه " وصيّا" فإن للقارئ أيضاً على القارئ الآخر سلطوية يتبع فيها ذات أسلوب الوصاية.
ما لفت نظري إلى هذا النوع من القراء زميلة لي، نختلف أنا وهي في بعض التوجهات في القراءة، وما زالت هي في كلّ مرةّ تذكرني بتجربتها الطويلة في القراءة وتحاول أن تسيّرني وفق طريقها هي الذي اختارته بعد معايشتها التجربة، محاولة إقناعي بأنّها تختصر عليّ مسافة طويلة قبل أن أعيش تجربة تمتد فترة من الزمن، ناسية تماماً أنها هي مثلما حصلت على هذه الفرصة في التجربة، لي حقّ العيش معها، والمشكلة كذلك أنها أيضاً تحاول إقناعي بالابتعاد عن قراءة بعض الأسماء متهمةً إيّاهم " فكرياً " رغم أنها تعترف بأنها لم تقرأ لأي منهم، ولكنها فقط قرأت رأي المعارضين لهم ممن تتبعهم هي .. فرفضت هؤلاء.
لا أستطيع كقارئة أن أصل إلى قناعة من خلال تجربة غيري، خاصة حين يكون غيري هذا هو بنفسه ذا تجربة ناقصة، هذا أيضاً إضافة إلى أنه حتى وإن اتبعنا فكرا معينا، فإننا يجب أن نقرأ لمن يتوافق معنا فقط، أيضاً نقرأ لمن نختلف معهم ، لذلك كانت القراءة أحد أهم وسائل الثقافة، لأن التنويع فيها يُكسب القارئ اطّلاعا مختلفا، وهذا من شأنه أن يوسع مدارك القارئ ويزيد من وعيه.