العولمة الاقتصادية وفوائض عائدات النفط
تثير حملات التشكيك بغايات وأهداف المحافظ الاستثمارية للدول النامية في عدد من الدول الصناعية المتقدمة، فيما يخص صناديق الاستثمار السيادية للدول النفطية وبعض الدول الآسيوية، تساؤلات عديدة حول الغايات المبيتة وراء تلك الحملات، ومدى صدق التزام هذه الدول بمبادئ منظمة التجارة العالمية. ومما يثير القلق هو الانتقادات اللاذعة الصادرة من مراكز رفيعة المستوى في بعض الدول المتقدمة، تراوحت من وعد رئيس دولة أوروبية "بحماية مديري شركات بلاده من الصناديق السيادية الفائقة العدوانية" إلى تحذير رئيس وزراء دولة أوروبية أخرى من "السلوك المؤذي" لتلك الصناديق. أما في الولايات المتحدة فقد دخل هذا الموضوع الحملة الانتخابية الرئاسية من بابها العريض بتصريحات بعض المرشحين الداعية إلى المراقبة والتدقيق في أنشطة تلك الصناديق.
ومن المفارقات المستغربة لهذه الحملة على الصناديق السيادية هو انتقائيتها فيما يتعلق بوجهة تلك الاستثمارات، فهي مرحب بها إن أسهمت في تمويل الدين السيادي لبعض هذه الدول، أو في إنقاذ مؤسسات مالية تهددها أزمة السندات العقارية، أو الاستثمار في العقارات والخدمات السياحية، أو التخلص من مرافق متدنية العائد. بينما جدران الحماية ترتفع عندما يقدم بعض هذه الصناديق على الاستثمار في قطاعات الصناعة، والتكنولوجيا المتطورة، وخدمات النقل والاتصالات، والموارد الطبيعية، وغيرها.
ومن التهم المتعددة التي يتم سوقها ضد الصناديق السيادية أن سلوكها لا تحكمه بالضرورة، حسابات الربح والخسارة، وإنها لا تبوح بأهدافها واستثماراتها. كما يخشى من غاياتها التي قد تكون سلبية، مثل إضعاف المنافسة أو حماية الشركات الوطنية أو حتى إثارة المشكلات الجيوسياسية. كما يؤخذ على إدارة هذه الصناديق أنها لا تخضع للمراقبة من المساهمين كغيرها من المحافظ الاستثمارية الخاصة، أو للتنظيم والمراقبة. ومن اللافت أن تساق كل هذه التهم بالرغم من عدم اقتراف الصناديق السيادية القائمة منذ زمن طويل أيا من تلك الخطايا والآثام المفترضة.
إن معظم هذه التهم مردود على أصحابها، أولا: لأن هذه الصناديق واضحة الأهداف المحددة عادة في قوانين تأسيسها ولوائحها التنفيذية، وهي لا تختلف عادة عن أهداف أي محافظ استثمارية أخرى، حيث تسعى إلى تنمية أصولها من خلال الاستثمار الرشيد لمواردها. وبخلاف المحافظ التي تتسم بدرجات عالية من المجازفة، فإن الصناديق السيادية تميل عادة إلى الاستثمارات المعتدلة المخاطر.
ثانيا: إن الصناديق الاستثمارية للدول النفطية محكومة بالمحافظة على استثماراتها وحمايتها للمدى الطويل، حيث يعول على هذه الاستثمارات في أن تسهم في تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد وتخفيض اعتماده على الموارد النفطية المحدودة غير المتجددة نحو تحقيق التنمية المستدامة. لذا فإن توظيف الفائض من عوائد موارد الطاقة أمر حيوي لمسيرتها التنموية، وليس من السهل التفريط بهذه الموارد لأي غاية أخرى، وهو أمر طبيعي ومطلوب يجب ألا يشكل مأخذا عليها أو عائقا أمامها.
ثالثا: إن الصناديق السيادية، كونها مؤسسات حكومية، وإن كانت لا تخضع للتنظيم من قبل الجهات التي تنظم المحافظ الاستثمارية الخاصة، فإنها عادة ما تكون مسؤولة لهيئات مختصة على أعلى المستويات في الدولة. وهذا الواقع هو ما يرد عنها التهمة الأكثر غرابة المتعلقة باحتمال إثارة المشكلات الجيوسياسية، حيث إن تصرفاتها تنعكس على بلدانها، وهم أعضاء في الأسرة الدولية، مرتبطون بعلاقات تجارية وسياسية مع بقية دول العالم، الأمر الذي يلقي على عاتق هذه الصناديق مسؤوليات سلوكية تفوق بكثير المسؤوليات التي قد تحكم تصرفات المحافظ الخاصة.
أما مسألة الشفافية المتمثلة في إفصاح الصناديق السيادية عن استثماراتها، فإنه مطلب حق إن لم يراد به باطل، وهو يصب في صالح الدول المالكة لتلك الصناديق بما يشكل توافر الشفافية من حافز على تعزيز كفاءة الاستثمار المتمثل في تطوير مستوى الأداء الاستثماري وتعزيز القدرة على تنويع الاستثمارات وتنميتها. من جهة أخرى، إن استثمارات هذه الصناديق في الشركات المساهمة هي، بطبيعة الحال، جزء من السجل العام وتخضع للقواعد والتنظيمات المعتمدة في الدول حيث موطن تلك الشركات، وبالتالي يجب ألا تشكل مصدر قلق لتلك الدول.
إن كانت المخاوف من الصناديق السيادية غير موضوعية وتفتقر إلى المبررات المقنعة، فما الغاية إذا من حملات التشكيك والتخويف التي تتعرض لها؟ وكيف ينسجم إقامة الحواجز أمام استثماراتها مع الدعوات الموجهة إلى الدول التي تتمتع بفوائض عالية في حسابها الجاري لزيادة إنفاقها لتقليص حجم الفائض؟ فهل المطلوب هو إنفاق هذه الفوائض على الاستهلاك بدل الاستثمار؟ أو أن الغرض هو توجيه مدخرات هذه الدول إلى مجالات استثمارية قد لا تنسجم مع مصالحها الوطنية وأهدافها التنموية؟ وكيف ينسجم إقامة الحواجز أمام استثمارات الدول النامية في أصول الدول المتقدمة مع دأب الأخيرة، سواء في إطار مفاوضات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية أو الأطر الأخرى الثنائية والمتعددة الأطراف، على تحفيز الدول النامية على فتح جميع الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟ وهل العولمة الاقتصادية طريق باتجاه واحد أم اتجاهين؟
يسهم نمو الاستثمارات المباشرة للدول النامية المتمثلة في محافظها الاستثمارية الحكومية والخاصة، بطبيعة الحال، في تعزيز أواصر العلاقات بينها وبين الدول المتقدمة. حيث لن يقتصر ذلك على الجانب الاقتصادي فحسب، بل قد يتعداه إلى مجالات أخرى من التعاون والاعتمادية المتبادلة. كما أنها تجعل النظام العالمي أكثر تكافؤا وتوازنا وعدالة. إلا أن هذا لا يروق للبعض الذي قد يرى في ذلك تهديدا لمصالحه المبنية على الاستئثار في العلاقات على حساب الآخرين. كما أنه لا يسر القوى المعادية للعولمة "العادلة" التي تساعد الدول النامية على النمو والتطور وتهدف إلى تقليص الفجوات في درجات التنمية الإنسانية بين المجتمعات وبذلك تعزز الاستقرار والسلم العالمي، حيث إنها تخاف من أن يأتي هذا التقدم على حساب مصالحها.
1. هل وجدت العولمة الاقتصادية ومنظمة التجارة العالمية لتثبيت ستاتيس كو العالمي حيث يبقى كل في مكانه ممنوع عليه التقدم والارتقاء إلى العالم الأعلى والأكثر تقدما؟
2. الشفافية مطلب حق على ألا يراد منه باطل.
3. الفائض يجب أن يوظف في حقائب آمنة تحقق أفضل العوائد وتخدم المصالح الاستراتيجية للمستثمر في إطار الشفافية والوضوح.