هل يؤدي الاندماج إلى زيادة درجة الاحتكار؟

[email protected]

أعلنت أخيرا سلسلة متاجر بندة والمخازن الكبرى عن اندماجهما في كيان واحد. وقد أثار هذا الاندماج مخاوف لدى بعض المراقبين من أن مثل هذه الاندماجات قد تؤول مع الزمن إلى كيانات تستحوذ على نصيب كبير في السوق يمنحها قوة احتكارية مؤثرة. فما مدى صحة هذه المخاوف؟
في المؤتمر الصحافي الذي عقدته مجموعتا صافولا والمهيدب، للإعلان عن دمج قطاع التجزئة بينهما، بسط العضوان المنتدبان فيهما عددا من المزايا والفوائد التي ستعود على المجموعتين، وعلى عملائهما من المستهلكين، وعلى الاقتصاد الوطني عامة. وكان من أبرز هذه المزايا :
1- زيادة قدرتهما التنافسية بعد الدمج كشركة وطنية تجاه الشركات الأجنبية، التي بدأت تعمل في السوق المحلية والإقليمية في مجال مبيعات التجزئة في السلع الغذائية والاستهلاكية بعد انضمامنا لاتفاقية التجارة الدولية. ولاشك أن الدمج سيمكنهما من تخفيض التكاليف الإدارية والتشغيلية، وشراء كميات أكبر بأسعار تفضيلية من قبل الموردين الرئيسيين. ونحن نأمل أن تمكن هذه الفورات الكيان الجديد من تقديم أسعار وجودة وخدمات أفضل للمستهلكين من البقالات الصغيرة، خاصة أن المتاجر الكبيرة تحقق دخلا إضافيا من خلال تأجير المساحات الداخلية، وفرض رسوم على الموردين الراغبين في عرض منتجاتهم على أرفف المتجر.
2- وذكروا أن الدمج يعزز فرص النمو والتوسع في جميع أنحاء المملكة والدول المجاورة. وأنهم يهدفون إلى زيادة حصة الكيان الجديد في سوق التجزئة المحلية بعد الدمج، من 5 في المائة إلى 10 في المائة في بحر السنوات الخمس المقبلة. لكن وفقا للبيانات المذكورة في المؤتمر الصحافي، بلغت قيمة المبيعات في السوق السعودية نحو 92 مليار ريال في عام 2007. وإذا كانوا يتوقعون، كما ذكر في المؤتمر الصحافي، تحقيق مبيعات تصل إلى 62 مليار ريال، وهو مبلغ يفوق نصف مبيعات التجزئة في السوق السعودية عام 2007م، فإنه يبدو أن هذه النسبة لا تتسق مع ما تم الإعلان عنه حول حصتهم المستهدفة، أو أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التوضيح!! إذ يبدو أنه حتى لو كانت قيمة هذه المبيعات تضم مبيعات المخازن الكبرى في الأسواق الإقليمية إضافة إلى مبيعاتهم في السوق المحلية ( أرقام المبيعات في الأسواق الإقليمية لم تذكر في المؤتمر الصحافي)، فإن نسبة المبيعات المحلية المتوقعة للكيان الجديد بعد الدمج ستتجاوز بكثير نسبة 10 في المائة المعلنة والمستهدفة، وقد تقترب من نسبة 40 في المائة من مجمل مبيعات السوق. وهو أمر قد يولد مخاوف من احتمال استحواذهم على قوة احتكارية مؤثرة. لكن تأثير هذه القوة سيتأثر في الواقع بعوامل عدة منها: مستوى ونوع الخدمة المقدمة ومدى أخذها بالتطورات التقنية التي تستلزم نفقات إضافية. وستتأثر أيضا بعامل ضغط التكاليف المستمد من وفورات الحجم الكبير. هذا فضلا عن عامل حواجز دخول الصناعة كالحاجة إلى استثمارات وإعلانات ضخمة، ومدى تمايز الخدمات أو تباينها عن غيرها حتى لو كان تباينا نفسيا بتأثير هذه الإعلانات. ويوصف عادة نشاط ما أنه احتكاري، إذا سيطرت شركة أو مجموعة متواطئة من الشركات على ثلاث أرباع حجم السوق!
3- وذكروا أيضا أن من مزايا الدمج الأخرى، ارتفاع عدد موظفي الكيان الجديد لنحو 20 ألف موظف، نصفهم سيكون من السعوديين بحلول عام 2010! وهذه نسبة ليست كبيرة في مهن خدمية لا يحتاج أغلبها إلى مهارات عالية اللهم إلا في وظائف الإدارة العليا. وفي تقديري أن نسبة السعوديين في هذا النشاط يجب ألا تقل بعد ثلاث سنوات من اليوم عن 80 في المائة. خاصة أن لدى سلسلة متاجر بندة أكاديمية إقليمية للتدريب والتأهيل.
هل يعد الاندماج المفضي إلى الحجم الكبير أمرا سيئا من الناحية الاقتصادية؟ كلا، ليس بالضرورة. فتجارب المحاكم الأمريكية مع قوانين مكافحة الاحتكار، إضافة إلى نتائج دراسات اقتصادية تطبيقية عديدة، بينت أن الدمج والحجم الكبير لا يؤديان بالضرورة إلى مفاسد اقتصادية. وقد تغيرت بالفعل في العقود الأخيرة سياسة مكافحة الاحتكار بعيدا عن محاربة كل حجم كبير، لمجرد أنه كبير. وفي ظني، أن المؤسسة الكبيرة أقدر على التوظيف والتدريب، وضغط التكاليف وتقديم أسعار منافسة. إنها ليست كيانا سيئا بالضرورة خاصة في ظل وجود منافسة أجنبية قوية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي