موضة الرواية
أصبحت الرواية لدينا عبارة عن عناوين عريضة تحفز فضول القارئ لما وراء عناوينها من إسقاطات عجيبة وكأننا عند قراءتها أمام مادة صحافية تحتاج "لمانشيتات"، إذ تغيرت متطلبات التسويق لتصبح هذه الروايات مضامين جاذبة من خلال عرض القصص بفضائحية, يظن الكاتب حينها أنه يمارس دور "المعالج" وهو يشرّحها وكأن المجتمع توقف على "قلمه".
ومع تكتل النزعة النسائية الحديثة ودخولها معترك الرواية من حيث لا نعلم، تراجعت أسهم الرواية كنموذج بداخل الفن ذاته، وتكرست السردية مع المحافظة على معيار الإثارة الذي يضمن مبيعات أكثر وجدلا يتمناه الروائي ليحقق لروايته ما سيعجز أن يحققه في غير هذه الجغرافيا, حيث يمثل بالاقتراب من الخطوط الحمراء دعما ينفصل تماما عن عناصر الرواية التي يجب أن تنطلق منها، ولعل تغيير مسمى هذا النوع من الكتابة بات واجبا، كونها لم تعد رواية أو قصة طويلة جدا، إنما هي حكايات "صفراء" ستنتهي "ظاهرتها" متى ما طرحت روايات ذات جودة وتماسك وبناء و"هدف"!
والمؤسف أن عدوى شركات الإنتاج الفنية انتقلت لمؤسسات النشر, وأصبحت تطبق الشروط الفنية ذاتها على الروايات التي تعمل على نشرها، ولم يتبق لها سوى "الفيديو كليب"، وتخيلوا معي أن يقف روائي أمام الشاشة ليلقي روايته و"ينطنط" مع الأحداث وهو يسردها، ومن ثم يبدأ في خلق إيحاءات شكلية وجسدية بجانب موسيقى رديئة وكادر لا يفهم سوى لغة "الأرقام" التي منذ أن أصبحت شرطا للنجاح, سقطت عن جنسها الأدبي نكهة التجربة, والفشل الأول الذي قد يصبح نجاحا كما حدث مع أقدر أهل هذه المهنة!
وبصفتي مجرد متابع وقارئ وشاعر شعبي بعض الأحيان، أتمنى ألا تتحول "ساحة الرواية" لساحة فنية أو حين يستلزم الوضع لساحة "شعر شعبي", وفق شروط ونقاط محددة تعتمد على صخب وعناوين وسرد فضائحي باسم المعالجة، ولا عجب حين نرى, مستقبلا, نتاج كاتبات الرواية الجدد منشورا في مجلات الأزياء المتخصصة، أو نجد روائيا, وقد قام بإنشاء قناة فضائية تبث المسابقات "التصويتية" وفق شروط الموضة الحديثة!