نفوق الإبل .. شح الدقيق .. هلاك المواطن
واجهت البلاد خلال الفترة الماضية القريبة عددا من الإخفاقات في عدد من مجالات ومناحي الحياة، التي كان آخرها وأحدثها بتاريخ كتابة هذا المقال شح الدقيق في الأسواق المحلية، مما حدا بعدد كبير من المخابز نتيجة للتأثر بأزمة شح الدقيق، إلى تقليص حجم رغيف الخبز، وتعمد البعض من العاملين في المخابز رفع سعر بيع رغيف الخبز.
كعادة المسؤولين في الأجهزة الحكومية المختلفة، في تعاملهم مع المشكلات التنموية أو الاستهلاكية، أو الاقتصادية، أو المالية، التي تحدث في البلاد بين الفينة والأخرى، أولاً: تبرئة الجهاز الحكومي من أسباب الإخفاق، ثانياً: البحث عن مبررات، تبعد المسؤولية والمساءلة عن الجهاز الحكومي، ثالثاً: التراخي في إيجاد الحلول العاجلة والسريعة للمشكلة، مما يفاقم من حدتها ويضاعف من حدة انعكاساتها السلبية، الأمر الذي يؤكد عليه تبرير صالح السليمان مدير عام المؤسسة العامة للصوامع والغلال، لحدوث مشكلة شح الدقيق في الأسواق المحلية، أنها ناتجة عن تسريب موزعين محليين للدقيق المخصص للمخابز إلى مربي المواشي لاستخدامه كعلف بديل للشعير، نافياً في الوقت ذاته نقص الإنتاج المحلي للدقيق في المؤسسة.
لو فرضنا وسلمنا جدلاً أن المواطن هو المسؤول عن حدوث مشكلة شح الدقيق في الأسواق، بسبب وكما أسلفت استخدامه للمواشي كعلف بديل للشعير، وأنه وفق تصريح مدير عام المؤسسة العامة للصوامع والغلال عدم وجود نقص في الإنتاج المحلي للدقيق. إذن فالسؤال البديهي والمنطقي الذي يطرح نفسه هو: لماذا حدثت مشكلة الشح في الدقيق في الأسواق، ولو افترضنا كذلك وسلمنا جدلاً، أن هناك عددا من الموزعين قاموا متعمدين بتوزيع الدقيق المخصص للمخابز إلى مربي الماشية لاستخدامه كعلف بديل للشعير، فأين أجهزة الرقابة الحكومية مما حدث لمنع المتسببين ومعاقبتهم على فعلتهم؟ وأين كذلك المخزون الاستراتيجي من الدقيق لاستخدامه في سد العجز والشح الحاصل في الأسواق في الحالات الطارئة؟
مشكلة شح الدقيق في الأسواق المحلية، بطبيعة الحال ليست المشكلة الأولى الفريدة من نوعها، التي تحدث سواء في الأسواق المحلية، أو في غيرها، فقد سبقها العديد من المشكلات، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، موجة الغلاء الكبيرة التي طالت أسعار الشعير خلال الآونة الأخيرة، حيث قد سجلت أسعار الشعير ارتفاعات متتالية، في سعر كيس الشعير من 25 ريالا إلى 50 ريالا، مسجلة بذلك ارتفاعا بلغ 100 في المائة، مما حدا بمربي المواشي اللجوء إلى استخدام الدقيق كبديل عن الشعير، الذي كان سعره قبل نشوء الأزمة 25 ريالا.
الكاتب عبد العزيز السويد في عموده "أحياناً"، في جريدة "الحياة" في العدد 16395، شخص وقائع قضية أليمة أخرى وقعت ببلادنا الغالية أخيراً، التي شغلت الرأي العام لفترة طويلة من الوقت، تمثلت في مشكلة نفوق الآلاف من الإبل، التي ظهر بعدها مسؤولون من المؤسسة العامة للصوامع والغلال، يبرئون الصوامع ومنتجاتها من النخالة المسممة، متهمين في ذلك متعهدين وعمالا بما حدث، مما حدا بالحكومة السعودية، تشكيل لجنة برئاسة وزارة الداخلية وعضوية عدد من الوزارات المعنية بالأمر، لتقصى الحقائق والوقوف على الأسباب، التي كشفت عن نتائج التحقيق، عن وجود مركب (السالينومايسين) بنسبة عالية، حدث نتيجة لخلل إداري وفني، أدى إلى اختلاط علف النخالة المخصصة للإبل مع الأعلاف المخصصة للدواجن، وأن حدوث ذلك كان في وقت يدار فيه خط إنتاج أعلاف النخالة في الصوامع في محافظة خميس مشيط من خلال عدد من عمال للنظافة، مع غياب الرقابة والإشراف اللازمين لسير العمل على الوجه المطلوب.
مأساة ومشكلة مرورية جديدة شهدها الجزء الجنوبي الغالي من بلادنا الغالية، وبالتحديد التي وقعت أحداثها المؤلمة والمأساوية في عقبة ضلع، الرابطة بين منطقتي عسير وجازان، والتي راح ضحيتها ثمانية سعوديين وسبعة مصريين ويمنيان وآخران فلبينيان وأربعة بنجلادشيين وسريلانكي وصومالي وكيني، هذا إضافة إلى إصابة ثمانية آخرين. وقد بدأت الأحداث المأساوية لذلك الحادث، عندما ارتطمت إحدى الحافلات التابعة لشركة النقل الجماعي بجسر أسمنتي على كوبري وادي عتمة أسفل العقبة، قبل أن تهوي بركابها من ارتفاع 40 متراً، لتستقر في أحد الجبال وتتناثر جثث وأشلاء الضحايا، والذي قد وصفته جريدة "الوطن" في العدد 2703، بالمشهد المأساوي المتكرر الذي تعرفه العقبة جيداً منذ أكثر من 25 عاماً.
المواطن الكريم في بلادنا العظيمة، عادة ما يقع ضحية إخفاقات الأجهزة الحكومية في التعامل مع المشكلات التنموية، التي تحدث في بلادنا بين الحين والآخر، ومما يضاعف من مأساته، قاصدا بذلك المواطن، عدم وجود خطط استباقية لدى الأجهزة الحكومية، تعمل على الحد من وقوعها أو على الأقل منع تكرارها.
إن الحل الوحيد للخروج من مأزق تكرار حدوث ذلك النوع من المشكلات في بلادنا، هو استشعار الأجهزة الحكومية عن بعد لحدوثها وتدارك وقوعها قبل حدوثها، كما أن هناك ضرورة حتمية لمساءلة المسؤولين في الأجهزة الحكومية عن أسباب الإخفاق ومعاقبة المتهاونين، الأمر الذي سيجنب المواطن، بإذن الله، تعالي الكثير من المتاعب والمشكلات، وسيعمل على كذلك على المحافظة على حياته، وسيجنبه أيضاً أن يكون عرضة للموت والهلاك والفناء، مثل ما حدث للإبل في بلادنا التي تعرضت للنفوق بسبب النخالة المسممة.