بطء التقاضي أمام الهيئة العليا لتسوية الخلافات العمالية

البطء في التقاضي والتأخير في الفصل في المنازعات يكاد يكون ظاهرة عامة في عديد من دول العالم. ويرجع بعض أسبابها إلى الخصوم وخاصة المدعى عليهم الذين يلجأون إلى أساليب المماطلة واستغلال الثغرات الإجرائية التي من شأنها تعطيل الفصل في القضايا. ويرجع بعضها الآخر إلى النقص في عدد القضاة مقارنة بالكم المتزايد من القضايا المطالبين بالفصل فيها.
وفي هذا المقال نسلط بعض الضوء على ظاهرة بطء سير التقاضي أمام الهيئة العليا لتسوية الخلافات العمالية. ويحسن قبل الشروع في ذلك أن نوضح بإيجاز مراحل سير الدعوى العمالية حيث تمر بثلاث مراحل. الأولى أمام مكتب العمل الذي يحاول التوفيق بين الخصوم وحل خلافاتهم ودياً، فإن أخفق في تحقيق هذه الغاية تبدأ عندئذ المرحلة الثانية بإحالة المنازعة إلى الهيئة الابتدائية لتسوية الخلافات العمالية التي تعتبر بمثابة محكمة درجة أولى وتعتبر قراراتها نهائية في الأمور التالية:
1 – الخلافات العمالية، أياً كان نوعها، التي لا تتجاوز قيمتها عشرة آلاف ريال.
2 – الاعتراض على الجزاء الذي يوقعه صاحب العمل على العامل.
3 – فرض العقوبات المنصوص عليها في نظام العمل على المخالفة التي لا تتجاوز عقوبتها المقررة خمسة آلاف ريال، وعلى المخالفات التي لا تتجاوز عقوباتها المقررة في مجموعها خمسة آلاف ريال.
وفي غير الأمور المذكورة آنفا تكون قرارات الهيئة الابتدائية قابلة للاستئناف أمام الهيئة العليا لتسوية الخلافات العمالية خلال ثلاثين يوما من تاريخ النطق بقرار الدائرة الابتدائية في القرارات الحضورية ومن تاريخ التبليغ بالقرار في غيرها، حيث تبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة إذا استأنف المحكوم ضده القرار خلال المهلة النظامية. وهذه المرحلة الأخيرة هي أكثر المراحل طولا وأشدها مشقة وأثقلها تكلفة لأنه لا توجد إلا هيئة واحدة في الرياض مما يجشم الخصوم من خارج الرياض عناء السفر وتكاليف الإقامة في الرياض لحضور الجلسات. ولقد ترتب على ذلك عدم التناسب بين عدد أعضاء الهيئة العليا وبين كم القضايا المطروحة أمامها مما أثقل أعضاء الهيئة العليا بأعباء متزايدة ولا أبالغ إذا قلت إنها تتجاوز أحياناً حدود الطاقة البشرية. وأدى هذا الوضع إلى أن مدة التأجيل بين كل جلسة وأخرى تراوح بين ثلاثة وستة أشهر. وأحيانا يحضر الخصوم، وأغلبهم من خارج الرياض، لحضور جلسة مقرر أن ينطق فيها عضو الهيئة العليا بالقرار فيفاجئهم العضو بتأجيل القضية لجلسة أخرى بهدف إجراء المزيد من الدراسة دون أن تجشم الهيئة العليا نفسها عناء إشعار الخصوم، بعد الحضور بسبب تأجيل القضية فيتولد عن ذلك شعور بالمرارة لدى المتقاضين لضياع وقتهم ومالهم سدى.
ولعلي لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن العدالة العمالية أصبحت عرجاء بسبب بطئها الشديد في الوصول بالحق لصاحبه، وأخشى ما أخشاه أن تتحول هذه العدالة من عرجاء إلى كسيحة إذا استمر الحال على ما هو عليه ولمعالجة وتصحيح هذا الوضع اقترح ما يلي:
1 – إنشاء دوائر للهيئة العليا تتوزع في مناطق المملكة بحسب الحاجة. وأحسب أن أكثر المناطق الآن حاجة إلى وجود هذه الدوائر هي منطقة مكة المكرمة والمنطقة الشرقية.
2 – أن تستعين الهيئة العليا عن طريق التعاقد بمستشارين قانونيين من ذوي الدراية والخبرة في مجال قانون العمل والقضاء العمالي سواء كانوا سعوديين أو غير سعوديين ليتولوا دراسة ملفات القضايا العمالية وإعداد تقرير عن كل قضية يتضمن موجزا لوقائعها وأبرز ما أثير بشأنها من دفاع ودفوع واقتراح التوصيات بشأن كيفية الفصل فيها في ضوء الأحكام النظامية ذات الصلة بموضوع القضية. الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيف العبء عن كاهل أعضاء الهيئة العليا ويساعدهم على سرعة دراسة القضايا وإصدار الأحكام فيها.
3 – كسبا للوقت وتجنبا لتزاحم مواعيد جلسات القضايا، أقترح أن يتبع بعد الجلسة الأولى لكل قضية، نظام تبادل المذكرات بين الخصوم (مذكرتان مثلا لكل منهما) تقدم في مواعيد يتم تحديدها في الجلسة الأولى من دون انعقاد جلسات حيث تعتبر عريضة دعوى المدعي هي مذكرته الأولى يرد عليها المدعي عليه في الموعد المحدد بمذكرة تقدم إلى سكرتارية الهيئة من أصل وصورة، ويتسلم المدعي صورة هذه المذكرة من السكرتارية ليرد عليها في الموعد المحدد بمذكرة تقدم إلى السكرتارية من أصل وصورة، ويتسلم المدعى عليه من السكرتارية الصورة ليرد عليها في الموعد المحدد بمذكرة تقدم إلى السكرتارية من أصل وصورة، ويتسلم المدعي الصورة من السكرتارية ثم تعقد جلسة مرافعة ختامية في الموعد المحدد ثم تحجز القضية للدراسة والنطق بالحكم في جلسة أخيرة.
4 – إنشاء مراكز للتحكيم متخصصة في القضايا العمالية تحت الإشراف الإداري لوزارة العمل لتخفيف أعباء الهيئات القضائية العمالية وتشجيع المتقاضين على اللجوء إليها.
5 – وضع خطة قصيرة وطويلة المدى يتم في ضوئها تحديد الأعداد المطلوبة لحاجة هيئات تسوية الخلافات العمالية وبالتالي استقطاب العدد المناسب من خريجي كليات الشريعة والقانون للعمل في هذه الهيئات وتنظيم البرامج التدريبية اللازمة لهم. وأحسب أن هذه الخطط من شأنها المساعدة على تيسير إنشاء المحاكم العمالية الجديدة المقرر إنشاؤها طبقا لأحكام نظام القضاء الجديد.
والمأمول من الدكتور غازي القصيبي وزير العمل، وهو أحد رجال القانون، أن يولي هذا الموضوع عناية خاصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي