تداعيات التضخم في الخليج
تؤكد الإحصاءات الحديثة أن التضخم أصبح يؤثر في جوانب حيوية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من قبيل رغبة بعض العمال تغيير المؤسسات التي يعملون فيها بحثا عن رواتب أعلى فضلا عن رغبة بعض الأجانب في العودة إلى بلادهم. يركز المقال الذي بين يديك بشكل رئيس على واقع وتداعيات أزمة التضخم في كل من قطر والسعودية نظرا لتوافر إحصاءات حديثة عن البلدين.
14 % في قطر
كشف مجلس التخطيط الاقتصادي أن نسبة التضخم في قطر ارتفعت إلى 13.74 في المائة في نهاية الربع الأخير من عام 2007. يتقاطع هذا الرقم مع الإحصاءات المستقلة، حيث أشار تقرير صادر من مؤسسة ميريل لينش المتخصصة في مجال الاستثمارات، أن متوسط التضخم بلغ 14 في المائة مع نهاية عام 2007.
كما بين المجلس الحكومي أن مؤشر أسعار المستهلكين فاق 159 نقطة في 31 كانون الأول (ديسمبر) من عام 2007 مقارنة بـ 140 نقطة في الفترة نفسها قبل عام. وأظهرت البيانات أن إيجارات المساكن وأسعار الوقود والطاقة ارتفعت بنحو 28 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي.
7 % في السعودية
وحديثا جاء في تقرير لوكالة "روتيرز" للأنباء نقلا عن المصادر الرسمية أن مؤشر التضخم في السعودية بلغ 7 في المائة في كانون الثاني (يناير) الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2007. ويعد هذا الرقم الأكثر ارتفاعا منذ ربع قرن من الزمان. بالمقارنة، بلغت نسبة التضخم في السعودية 6.5 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
في التفاصيل، ارتفعت قيمة مؤشر المعيشة إلى نحو 112 نقطة في كانون الثاني (يناير) مقارنة بأكثر من 104 نقاط في الفترة نفسها من عام 2007. وشهد كانون الثاني (يناير) الماضي ارتفاعا للأسعار بنسبة 1.36 في المائة أي الأسوأ منذ تسع سنوات.
وتبين أن تكلفة العقار كانت المحرك الرئيسي لهذه المعضلة، حيث ارتفعت أسعار التأجير بواقع 17 في المائة. كما ارتفعت أسعار المأكولات والمشروبات بنسبة 8 في المائة في الفترة المشار إليها. يشار إلى أن السعودية تستورد ربع واردتها من أوروبا فضلا عن أكثر من 13 في المائة من الولايات المتحدة و8 في المائة من اليابان. ويشكل استمرار انخفاض قيمة الدولار مقابل بعض العملات الرئيسة الأخرى خسارة للاقتصاد السعودي ما يعني استيراد سلع بتكلفة أعلى من دول منطقة اليورو والين وسلع أخرى غير مسعرة بالدولار. المعروف أن السعودية وكذا بقية دول مجلس التعاون (باستثناء الكويت) تربط عملاتها بالدولار الأمريكي بقرار سيادي.
ترك الوظائف
وكرد طبيعي على معضلة التضخم يفكر عدد من الموظفين في تغيير وظائفهم كما يفكر بعض العمال الأجانب في العودة إلى بلدانهم نظرا لصعوبة التكيف مع تداعيات الارتفاع المستمر للأسعار لا يقابله نمو لمستويات الأجور. فقد كشف تقرير لمؤسسة (بيت دوت كوم) ومقرها إمارة دبي أن 45 في المائة ممن شملهم الاستطلاع ذكروا أنهم يفكرون في العمل في مؤسسات أخرى في القطاع الذي يعملون فيه نفسه. كما كشف 19 في المائة عن رغبتهم بالعمل في بلد آخر.
وأشارت الدارسة نفسها إلى أن قطر تعاني من أكثر نسبة تذمر في أوساط العمالة، حيث أبدى نصف العمالة عن رغبتهم في العمل في بلدان أخرى أو ربما العودة إلى أوطانهم الأصلية. وقد استطلعت الدارسة آراء 1500 فرد يعملون في كل دول مجلس التعاون الست وفي 20 قطاعا مختلفا.
إعادة تقييم العملات
على المستوى الرسمي تتبلور أفكار ومحاولات جادة للتعامل مع أحد الأسباب الرئيسة لمعضلة التضخم وتحديدا تراجع قيمة الدولار الأمريكي. ففي أوضح مؤشر على احتمال إعادة تقييم العملة القطرية لغرض التكيف مع ظاهرة التضخم، أكد رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الأسبوع الماضي أن بلاده تدرس خيار رفع قيمة الريال المرتبط حاليا بالدولار الأمريكي. وبين الشيخ حمد أن العملة القطرية مرتفعة بنسبة 30 في المائة عن قيمتها الحقيقية.
وكانت الحكومة الكويتية قد اتخذت قرارا في أيار (مايو) من عام 2007 يقضي بفك ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي واستبداله بسلة من العملات تشمل الدولار ولكن لا تقتصر عليه. وقد اتخذت السلطات الكويتية القرار على خلفية عدم ظهور دلائل تشير إلى انتهاء حالة تراجع قيمة الدولار. فقد فاقت قيمة اليورو عن دولار ونصف لأول مرة في تعاملات الأسبوع الماضي. يتسبب هبوط الدولار في استيراد التضخم على خلفية جلب واردات من سلع غير مسعرة بالدولار الأمريكي من دول منطقة اليورو وبريطانيا واليابان وأستراليا ودول أخرى.
وتعكس تطورات من قبيل رغبة بعض العمال في تغيير وظائفهم والبعض الآخر في العودة إلى بلدانهم فضلا عن إجراء تغييرات في السياسات الاقتصادية مثل الارتباط بالدولار والأهمية النسبية لظاهرة التضخم على اقتصاديات المنطقة. الشيء المؤكد هو أن التأثيرات السلبية للتضخم قابلة للتفاقم وربما تشهد المزيد من المفاجآت في الفترة المقبلة.