المسؤولية المضاعفة للحكومة في التنمية الاقتصادية

[email protected]

في اجتماع مجلس منطقة الرياض في دورته الأولى لعام 1428/1429هـ، أكد الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، على رؤساء الدوائر الحكومية، ضرورة سرعة طرح وترسية وتنفيذ المشاريع التنموية المعتمدة في ميزانية الدولة لمنطقة الرياض، إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله.
يأتي تأكيد الأمير سلمان بن عبد العزيز، على أهمية التسريع في تنفيذ المشاريع التنموية في منطقة الرياض، إدراكاً منه لحجم المسؤولية التنموية الكبيرة، التي يجب على المسؤول الحكومي أن يعيها وأن يتحملها وأن يتعامل معها، بالوجه التنموي المطلوب، ولا سيما في ظل النمو الاقتصادي الكبير غير المسبوق، الذي تشهده السعودية وتسارع وتيرة التنمية الحضارية بالبلاد.
هذا النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده السعودية أصبح يفرض الحاجة إلى توافر قيادات في الأجهزة الحكومية المختلفة، تتمتع بمهارات وبمواصفات قيادية، وإدارية، وفنية، مغايرة تماما للمهارات التقليدية، التي تعودنا عليها في الماضي، بمعنى آخر أدق وأوضح أن المرحلة التنموية العصرية التي نعيشها بتحدياتها المتمثلة في العولمة وإرهاصاتها والانفتاح الاقتصادي على العالم تتطلب تمتع المسؤولين الحكوميين القائمين على إدارة الأجهزة الحكومية المختلفة، بصفات ومهارات إدارية وقيادية تتناسب ومتطلبات المرحلة الجديدة والنقلة النوعية التي يشهدها الاقتصاد السعودي، بما في ذلك متطلبات التنمية.
من هذا المنطلق فإن المسؤول الحكومي في عصرنا الحديث، يجب أن تتوافر لديه القدرة على التخطيط الاستباقي لاحتياجات التنمية، بما في ذلك القدرة الفائقة على تنفيذها بالسرعة وبالدقة المطلوبتين، وفق برنامج أولويات محدد وجدول زمني يتناسب وأهمية تلك الاحتياجات، وبأسلوب تنفيذ مهني محترف، يكفل سلامة التنفيذ ونوعية الأداء.
المسؤول الحكومي اليوم في ظل وتيرة التنمية الاقتصادية المتسارعة يجب أن تكون لديه كذلك رؤية مستقبلية شاملة وثاقبة في التعامل مع معطيات التنمية ومتطلباتها، كما أنه يجب أن يمتلك مهارات إدارية ميدانية جيدة، تمكنه من متابعة التنفيذ للخطط التنموية، والكشف عن مواطن الإخفاق والخلل وإيجاد الحلول المناسبة بالسرعة المطلوبة.
إن عدم توافر قيادات إدارية حكومية في هذا العصر الذي يشهد حراكا تنمويا متغيرا ومتجددا، بالمستوى المطلوب الذي يتناسب، وكما أسلفت مع احتياجات ومتطلبات التنمية العصرية المتسارعة، سيعمل بكل تأكيد على عرقلة الحركة التنموية بالبلاد، وسيعمل كذلك على تفشي التخلف الحضاري في شتى مناحي الحياة.
إن عدم إدراك عدد كبير من المسؤولين في الأجهزة الحكومية في السعودية حجم المسؤولية المضاعفة، المرتبطة بالتنمية الشاملة المستدامة في البلاد، وبالذات وكما أسلفت في ظل وتيرة التنمية الاقتصادية المتسارعة، بالاقتصاد الوطني، إضافة إلى النمو السكاني المطرد، واتساع مساحة المملكة، وترامي أطرافها، تسبب في حدوث عدد كبير من الاختلالات التنموية في بلادنا، وبالذات على مستوى إدارة ما يعرف بالاقتصاد الجزئي والتنمية الشاملة المستدامة والأداء المتوازن للاقتصاد.
هذه الاختلالات التنموية تسببت في إحداث فجوات في تنفيذ عدد من المشاريع التنموية بعدد من مناطق المملكة، الأمر الذي تسبب في حدوث هجرة أعداد كبيرة من المواطنين إلى المدن الرئيسة، الذي نتج عنه حدوث ضغط سكاني شديد على تلك المدن، تسبب في عدم القدرة على التعامل مع المتطلبات التنموية الأساسية للمواطنين والمقيمين بالأحياء المختلفة للمدن، مثال توفير المدارس، المستشفيات النموذجية بشكل متساوي ومتوازن، وأيضاً توفير الخدمات الأساسية، كخدمات الكهرباء، والمياه، والاتصالات، وخدمات النقل العام، بما في ذلك الخدمات المرتبطة بالبلديات والرقابة على الأسواق وخلاف ذلك.
الكاتب الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخضيري أرجع سبب العراقيل التي تعترض طريق تنفيذ المشاريع التنموية وتأخرها في مقال نشر له في "الاقتصادية" في العدد 4928،، إلى حجم الخلل الذي يكمن في تنفيذنا قراراتنا، مستشهدا في ذلك بحجم الأضرار والسلبيات، التي تعود على مناحي حياتنا اليومية، متسائلا في الوقت نفسه عن هل حققت بعض القرارات الحكومية، التي تم اتخاذها في السابق أهدافها المنشودة، مثال دمج الوزارات مع بعضها بعضا وإلغاء أخرى، بما في ذلك قرار إلغاء وزارة الأشغال العامة والإسكان التي نحن أحوج ما نكون إليها خلال هذه المرحلة والمرحلة المقبلة.
أدلة أخرى على النتائج السلبية لتأخرنا في اتخاذ قراراتنا التنموية، ما يتم رصده من خلال الإعلام المحلي المقروء والمسموع والمرئي، بشكل يومي لصور متعددة من الإخفاقات التنموية في مدن المملكة المختلفة، التي في الغالب ما يتصدرها شح المياه وانقطاعها عن الأحياء، وعدم توافر البنية التحتية اللازمة لتصريف الأمطار والسيول، وتشقق الشوارع والطرقات، التي إما تحدث بسبب مياه الأمطار والسيول، وإما بسبب العطب الذي يصيب أنابيب المياه في داخل الأرض، الذي يؤدي إلى انفجارها وتغلغل المياه داخل البنية التحتية للطرقات والشوارع، مما يتسبب في تشققها وانهيار طبقاتها والقضاء عليها.
في رأيي أن الحل الوحيد للخروج من مأزق الإخفاقات التنموية في بلادنا هو ضرورة إحساس المسؤولين الحكوميين العاملين في الدولة بحجم المسؤولية المضاعفة، المرتبطة بالتنمية الشاملة المستدامة، وكذلك مواجهة المقصرين بالمكاشفة والمصارحة، وإيجاد آلية لتقويم الأداء، حيث يمكن من خلالها تحديد مكامن الإخفاق والخلل، وإيجاد العلاج المناسب، بما في ذلك محاسبة المقصرين والمتهاونين، والله من وراء القصد.

مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي