المحاماة بعد الانضمام إلى منظمة التجارة

يُقصد بالمحاماة الدفاع عن الحق، والدفاع عن المظلوم، وإيضاح الموقف القانوني للموكل أمام القاضي أو أمام الجهات الإدارية، حيث يهدف الدفاع عن المتهم إما إلى إعفائه من العقوبة إعفاء كلياً أو تخفيف العقوبة عنه أو إظهار حقيقة العلاقة بين الموكل وخصمه.
ويتم تكييف المحاماة على أنها علم وفن ورسالة، فهي علم؛ لأنها تندرج ضمن أحد فروع القانون الأساسية، لكونها تقوم على قواعد وأصول ومنهجية علمية وقانونية راسخة، وهي فن؛ لأنها في حاجة إلى الموهبة وإلى الفطنة والذكاء والقدرة، وهي رسالة تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة؛ إذ بها تتم نصرة المظلوم على الظالم، وهي رسالة السلام، ورسالة العدل، لأن من أولى مهام الرسالة هو الكشف عن الحقائق، والبحث عن نوازع النفوس ودوافعها، وتفهم أهدافها، وغاياتها، وذلك بهدف الدفاع عن الخصم المظلوم.
ولا يخفى على أحد أن المحاماة مهنة علمية فكرية حرة، هدفها الدفاع عن المظلوم ومساعدة القضاء على كشف الحقائق، والعمل من خلال دراسة الكتاب والسنة والأنظمة على إعطاء الاستشارات الشرعية والنظامية، التي يسود من خلالها العدل ويندحر الظلم. لهذا فقد عرفتها بعض القوانين والأنظمة بأنها مهنة حرة تسهم في تحقيق العدالة، مثال ذلك المادة الأولى من النظام (القانون) الموحد للمحاماة في دول مجلس التعاون الخليجي، والمعروف باسم (وثيقة المنامة) التي عرفت المحاماة بأنها مهنة حرة، تشارك في تحقيق رسالة العدالة، وتأكيد سيادة القانون، وكفالة حق الدفاع عن الحقوق والحريات.
أما المادة الأولى من نظام المحاماة السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 38)، وتاريخ 28/7/1422هـ فتعرفها بأنها:"الترافع عن الغير أمام المحاكم وديوان المظالم، واللجان المشكلة بموجب الأنظمة والأوامر والقرارات للنظر في القضايا الداخلة في اختصاصها، ومزاولة الاستشارات الشرعية والنظامية، ويُسمى من يزاول هذه المهنة محامياً، ويحق لكل شخص أن يترافع عن نفسه". ثم أضافت المادة (1/1) من اللوائح التنفيذية لهذا النظام أن:" الترافع حق شرعي لكل شخص، ما لم يوجد مانع شرعي يقضي بأن يكون الترافع عنه بطريق الوكالة أو الولاية أو الوصاية ".
ومن هذا يبدو أن هذا النظام قد أرسى أهم قاعدة من قواعد المحاماة العادلة، ومفادها أن الوكالة عن الغير ليست إلزامية، فيحق لكل ذي شأن الترافع عن نفسه أمام جميع المحاكم وبمختلف درجاتها، وذلك خلافاً لما تسير عليه بعض القوانين العربية المنظمة لمهنة المحاماة؛ التي لا تجيز للخصم، سواء أكان مدعياً أو مدعى عليه، إلا الترافع عن نفسه أمام محاكم أول درجة فقط، دون أن يكون له الحق في الترافع أمام محاكم الدرجة الثانية ( محاكم الاستئناف)، ودون أن يكون له الحق كذلك في تقديم لوائح تمييز أو طعون بالنقض أو بالتماس إعادة النظر أمام محكمة النقض أو المحكمة العليا، وذلك حرصاً على مصلحته وخشية عدم صدور حكم مُكتسب القطعية في حقه، بل إن بعض تلك القوانين يشترط ضرورة تقديم الطعن بالنقض من محام مقيد بدرجة محام بالنقض.
والحقيقة إن إصدار نظام للمحاماة في السعودية، وتعريفه المحاماة على النحو المبين أعلاه، يُعد خطوة مهمة نحو تنظيم هذه المهنة، كما أنه يدعم حقوق المتهم أمام أجهزة العدالة المختلفة.
وتتمتع المحاماة بأهمية خاصة للمجتمع السعودي؛ إذ إن هناك علاقة تعاون وتكامل بينها وبين الجهات القضائية، فيكون لها أثر إيجابي في تحقيق العدالة، حيث إنها تؤدي إلى تسهيل مباشرة إجراءات الدعوى، فدورها يساند القضاء في استجلاء الحقيقة.
ونظراً لأن السعودية حققت وتحقق قفزات نوعية ونهضة اقتصادية واجتماعية كبرى، وتحتل مركزاً سياسياً وعالمياً في ظل التطورات الاقتصادية التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية التي تستلزم من الدول الأعضاء فيها العمل على تقنين وتحديث أنظمتها الداخلية بما يتلاءم مع الظروف الدولية التي يُمكن أن تفرز منازعات جديدة وتضارب مصالح دولية، لذا فمن الطبيعي أن يتجه عدد كبير من الشركات الاستثمارية الأجنبية الضخمة للاستثمار في المملكة؛ بما يستتبعه ذلك من استقدام أعداد كبيرة من العمالة الوافدة للعمل بها؛ مما يترتب عليه ظهور منازعات جديدة لم تعهدها البلاد من قبل، سواء أكانت بين الأفراد بعضهم بعضا، أو بين الشركات الأجنبية، أو بين تلك الشركات والأفراد، أو بينها وبين الأجهزة والهيئات ذات العلاقة في الدولة، وسواء أكانت ناتجة عن معاملات مصرفية أو مالية أو منازعات جزائية. إذ إن مثل تلك المنازعات بطبيعة الحال تتطلب الفصل فيها عن طريق القضاء، وهذا يقتضي حُسن عرضها على القضاء بواسطة أشخاص متخصصين لديهم المقدرة الفنية على توفير حلقة اتصال علمية بين المتنازعين وبين القضاء، وهم المحامون الذين يستطيعون بخبراتهم الفنية ومؤهلاتهم العلمية التفاهم مع موكليهم، من ناحية، ثم إيصال الحقيقة بأسمى معانيها إلى القضاة، من ناحية أخرى.
ولا تقتصر مهمة المحامين في السعودية على تلبية حاجات الشركات الأجنبية والأفراد، وإنما تمتد الحاجة إلى وجودهم إلى تلبية حاجات المواطنين أيضاً في ظل التطورات الاقتصادية، وتعقد الحياة، واتساع رقعة الدولة، وانشغال الناس، وعجز الغالبية العظمى منهم عن متابعة كافة مصالحهم وأعمالهم بأنفسهم، مما يتطلب ضرورة وجود أناس متخصصين لمتابعة هذه المصالح والأعمال، والدفاع عنهم بالشكل العلمي والفني الصحيح؛ خاصة أن الوكلاء بالخصومة أصبحوا غير قادرين على حمل الرسالة العلمية التي يهدف المحامون من رجال الشريعة والأنظمة إلى إيصالها إلى القضاة، لعدم وجود قاعدة علمية يستند إليها هؤلاء الوكلاء الشرعيون بسبب عدم وجود دراسات كافية لديهم تؤهلهم لذلك.

المزيد من الرأي