القرارات الـ 17.. وهيئة تطوير القطاع الحكومي

[email protected]

وأنا أتأمل الـ 17 قراراً التي أقرت من قبل مجلس الوزراء الإثنين الماضي، سررت كثيراً وبدأت أردد بيني وبين نفسي "هذا ما يحتاج إليه قطاع الأعمال اليوم، والمواطن السعودي أيضاً" فهي قرارات تحمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية ذات أهمية قصوى والسؤال: متى سيتم تفعيل هذه القرارات؟ وكيف؟ ومن الذي سيقف في طريقها؟!، بعدها تملكني هاجس الإحباط نظراً لأن كل من يتنفس في هذه الأرض الغالية يدرك حجم البيروقراطية والتباطؤ في تفعيل الأنظمة والقرارات، بل إن هناك الكثير من الدوائر الحكومية التي لا تطبق النظام إلا بعد سنوات "أي حينما يصدر ما يفنده" وتلك قصةٌ أخرى توضح أننا نبحث عن الخلل ونعالجه ولا نعمل من خلال خطط استراتيجية مبنية على دراسات ذات عمق وشمولية متخصصة، إذا ما الذي يجب القيام به لتفعيل هذه القرارات المهمة؟ أن نصدر قرارات أخرى تفعل هذه القرارات؟! نعم ولا!، فهيئة السوق المالية، والهيئة العليا للسياحة، والهيئة العامة للاستثمار، كلها هيئات حكومية حديثة العهد ولكنها تعمل بمستوى أفضل بكثير من الجهات الحكومية العتيدة، فمنها من تجد لديهم خدمات إلكترونية ذات فعالية واحترافية من حيث اللوائح والأنظمة والأخبار وبرامج التوعية كهيئة السوق وأكثر ما يعجبني منهم هو طرح اللوائح أو أي نظام جديد أمام المختصين والمجتمع لمدة معينة ومن ثم تلقى الأفكار والاقتراحات وبعدها يتم إعدادها كنظام "حتى لو كانت من باب امتصاص الأوكسجين"، ولكنها تدل على قيادة واعية ومحترفة وتملك الثقة، وأيضاً الهيئة العامة للاستثمار التي وضعت الهدف الكبير والصعب جداً 10/10 والتي قاربت على تحقيقه بجدارة، نجد لديهم العمل وفق مفاهيم عالية الكفاءة والاحترافية والبعيدة كل البعد عن الثقافة البيروقراطية البطيئة والمثقلة بالهموم والخمول أيضاً، والثالثة الهيئة العليا للسياحة والتي فعلت ثقافة النزول إلى المواطن والعمل على تأدية رغباته وتشجيع مقدمي الخدمات والمدن والمحافظات على استغلال ما لديهم من ثروات طبيعية وغيرها، والمهم من ذلك وهو مربط الفرس لدي "العمل للحصول على شهادة الآيزو" فهذه هي ثقافة العمل التي نبحث عنها والتي تنم عن روح المبادرة والإبداع والتطوير والعمل بكفاءة وجودة عالية، فمن لا يعرف ما سبب أن تعلن جهة خدمية ما أنها حصلت على شهادة الآيزو فهذا دليل على أنهم قاموا بكتابة كل شيء يحدث أو يمكن أن يحدث وكل نظام يجب العمل به، بمعنى أنه إذا تقدم عدد من رجال الأعمال للحصول على ترخيص شركة مثلاً لدى "وزارة التجارة" فلا يبدأ الموظف يفتي من عنده ويعقد المعاملة باسم النظام "وبالطبع فهو لا يدري ما الذي يجب عليه عمله" بل يجد خريطة عمل ترشده على ما يجب أن يقوم به من الألف إلى الياء بكل مرونة وسهولة والأهم من ذلك أيضاً أن كل موظف لا يعمل إلا في نطاق اختصاصه ولا يحصل كما في دوائرنا الحكومية اليوم في أن الكثير من الموظفين لا يدرون ما هو العمل الذي يجب أن يقومون به كل صباح عدا الجلوس للإفطار والدردشة مع الزملاء وقراءة الصحف وتبادل مقاطع البلوتوث، إذاً نحن أمام ثلاثة أجهزة حكومية حديثة أقدمها تأسست عام 2000 تعمل بثقافة غير بيروقراطية، ثقافة خدمية إبداعية، لذلك أقترح أن تنشأ "هيئة لتطوير القطاع الحكومي" ويكون رئيسها قادماً من القطاع الخاص، ويمتلك الجرأة والشجاعة والقدرة على الإبداع والابتكار، وتعمل الهيئة على أن تحصل كل وزارة على نظام الجودة، وتطرح جائزة سنوية للأداء المتميز لتنشر ثقافة المنافسة بين القطاعات الحكومية لتقديم أفضل الخدمات للمواطن، وتعمم ثقافة كسب العملاء في أن المواطن عميل يجب أن يكون راضياً كل الرضا، وهذا ليس بمستحيل فهذه دولة الإمارات الشقيقة لديها "وزارة لتطوير القطاع الحكومي" ولديها جوائز للأداء الحكومي المتميز، وتلك الوزارة هي من قامت بإنشاء خدمات "الحكومة الإلكترونية" وقد اطلعت على بعض بياناتهم وإنجازاتهم ومعايير الجودة والكفاءة فوجدت أن عملية تشخيص المشكلات واقتراحات الحلول لم تكن إلا من خلال إعلانات موجهة للمواطنين عن رغبة الوزارة في أن يقدم المواطنون اقتراحات لتطوير الدوائر والخدمات الحكومية، لذلك يجب أن ندرك أنه لا يفهم مشكلاتنا إلا نحن فمن الأفضل أن تكون الهيئة سعودية 100 في المائة، ويجب أن ندرك أننا نريد هذه الهيئة ليس لتطبيق هذه القرارات لأنها يجب ألا نتأخر حتى تنشأ الهيئة ولكن يجب أن ننظر إلى الأمام وأن نبني وطناً جميلاً مستديم النمو والتطور والتقدم في كل المجالات، وليس التركيز على حل المشكلات الحالية فقط والاكتفاء بالنظر إلى تحت أقدامنا.
وقديماً قال صديقنا أبو الطيب
ولم أرَ في عيبوبِ الناسِ عيباً
كنقصِ القادرينَ على التمامِ

وكذلك قال شاعرٌ آخر
إذا كنتَ ذا رأيِ فكن ذا عزيمةٍ
فإن فسادَ الرأيِ أن تترددا

لذلك فكل ما أتمناه أن يعمل الجهاز الحكومي بكل جودة واحترافية، وكلي أمل في أن تقوم مثل هذه الهيئة، لأننا ندرك أن الدراسات أثبتت أن السعودية تخسر 60 مليار ريال سنوياً بسبب البيروقراطية والبطء والتعقيد في الإجراءات الحكومية، فهل نريد أن نخسر كل عام مثل هذا الرقم المخيف؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي