صعوبة مواجهة التضخم في قطر
تعد ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) حقيقة مرة في قطر، ولا يبدو في الأفق ثمة حلول واقعية لهذه الظاهرة المقلقة. يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد بل أكثر سوءا من البطالة. ومرد ذلك أن التضخم يضر الجميع، حيث ترتفع الأسعار بالنسبة للفقير والتاجر (أكثر ضررا على الفقير من الناحية النسبية) لكن لا ينطبق الأمر نفسه بالضرورة على البطالة، حيث يتركز الضرر على العاطلين.
حسب تقرير حديث صادر من مؤسسة ميريل لينش المتخصصة في مجال الاستثمارات، فقد بلغ متوسط الغلاء في قطر 14 في المائة في عام 2007. والأسوأ من ذلك، توقع التقرير ارتفاع المعدل إلى 14.5 في المائة مع نهاية العام الجاري. تعد هذه الأرقام مرتفعة إلى أقصى حد ممكن مقارنة بالسنوات الماضية، حيث راوح المتوسط في حدود 2.6 في المائة في الفترة ما بين 2002 إلى 2004.
قيود على الإيجارات
وكرد فعل لكبح جماح التضخم قررت السلطات القطرية بتحديد ارتفاع قيمة الإيجارات بواقع 10 في المائة سنويا كحد أقصى ابتداء من عام 2006. وقد تم اتخاذ الخطوة للحد من قيام أصحاب الأملاك بإجراء زيادة دورية على الإيجارات. بيد أنه لم تظهر مؤشرات على نجاح هذه السياسة نظرا لتسببها في الحد من العرض وليس الطلب.
وجاء في تقرير حديث صادر من وحدة البحوث الاقتصادية التابعة لمجموعة (الإيكونومست) البريطانية أن سياسة وضع حد أعلى لزيادة الإيجارات لم تفلح جملة وتفصيلا وذلك على خلفية استمرار توافد الأجانب إلى قطر مستفيدين من الطفرة الاقتصادية في البلاد. لا شك في أن العمالة الأجنبية (الماهرة وشبه الماهرة وغير الماهرة) في حاجة إلى السكن. كما واجهت سياسة الحد من الزيادة السنوية في إيجار العقارات مشكلات عدة تمثلت في رغبة بعض أصحاب الأملاك في الالتفاف على القانون فضلا عن استعداد بعض المستأجرين لدفع أسعار أعلى بسبب مشكلات متعلقة بالعرض.
يسهم ارتفاع أسعار العقار بشكل نوعي في استمرار ظاهرة الغلاء في الاقتصاد القطري. فقد كشف تقرير منشور في مجلة "ميدل إيست إيكونوميك دايجست" أن مستوى التضخم في قطر بلغ 14.81 في المائة في آذار (مارس) من عام 2007. وحسب التقرير فقد ارتفعت أسعار الإيجارات وتكلفة السكن بنحو 29 في المائة في الشهر نفسه، الأمر الذي أسهم في تسجيل هذا الرقم الكبير نسبيا في مؤشر الغلاء. بمعنى آخر، تعتبر أسعار العقارات أحد المتغيرات الرئيسة لمشكلة الغلاء في قطر.
النمو الاقتصادي
يمتاز الاقتصاد القطري بسرعة النمو، حيث يعد واحدا من أكثر الاقتصادات العالمية نموا. تتوقع مجموعة (الإيكونومست) البريطانية أن يرتفع النمو الحقيقي (أي المعدل لعامل التضخم) للناتج المحلي الإجمالي لقطر من 7.8 في المائة في عام 2007 إلى 9.3 في المائة في عام 2008. كما من المنتظر أن ترتفع نسبة النمو الاقتصادي إلى 12.4 في المائة في عام 2009 بسبب التطورات السريعة في قطاع الغاز. تعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.
إضافة إلى القطاع النفطي (النفط والغاز) تسهم القطاعات الأخرى بدورها في النمو الاقتصادي المتميز في قطر. والإشارة هنا إلى بعض قطاعات الخدمات مثل إقامة الفعاليات المختلفة على مدار السنة. في الأسبوع الماضي نجحت قطر في استقطاب المطربات والمطربين العرب لإحياء موسم الغناء السنوي. ويواجه الزائر لقطر هذه الأيام معضلة الحصول على غرفة للإقامة بسبب الطلب احتضان قطر مختلف أنواع الأنشطة بما في ذلك الرياضية منها.
تشديد القيود
من جهة أخرى، نقلت مجلة "ميد" عن يوسف حسن كمال وزير المالية قوله إن السلطات القطرية تدرس سبلا أخرى للحد من ارتفاع التضخم بما في ذلك بيع السندات لغرض امتصاص السيولة، إضافة إلى تشديد القيود على زيادة الإيجارات فضلا عن فرض قيود على الأسعار. يبقى علينا الانتظار لفترة لمعرفة التأثيرات المحتملة لهذه الخطوات على تحقيق الهدف الأسمى ألا وهو تحجيم ظاهرة التضخم.
بدورنا نعتقد أنه ليس من السهل البتة التعامل مع ظاهرة التضخم في هذه الفترة التاريخية نظرا لارتباط الاقتصاد القطري بالتطورات في الدول الأخرى. المعروف أن الريال القطري مرتبط بالدولار الأمريكي بقرار سيادي من السلطات القطرية، ما يعني المطلوب من استيراد معدلات الفائدة السائدة في الولايات المتحدة. حديثا فقط قرر بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي تخفيض قيمة الفائدة بواقع 75 نقطة تخوفا من حدوث انحسار اقتصادي في الولايات المتحدة. بدورها عمدت السلطات المالية في قطر إلى اتخاذ خطوات مشابهة ما يعني توافر المزيد من السيولة، حيث إن مصلحة المستثمرين تقتضي عدم إيداع الأموال في المصارف نظرا لتراجع العائد. لا شك في أن توافر المزيد من الأموال في السوق يعني فيما يعني تعزيز ظاهرة الغلاء لأسباب بسيطة منها عمليات الشراء أو الاستثمار في العقارات.
للأسف الشديد لا يوجد في الأفق مؤشر يظهر على قدرة السلطات القطرية في مواجهة معضلة التضخم (عدو الجميع).