إسرائيل تعترف بفشلها وهزيمتها في حرب لبنان
drashwan59@yahoo .com
بعد عام ونصف من انتهاء المغامرة الإسرائيلية العسكرية في لبنان في صيف 2006 التي تصور رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزير دفاعه حينذاك عمير بيريتس أنها ستنهي إلى الأبد الوجود العسكري بل والسياسي لحزب الله اللبناني، أعلن القاضي الإسرائيلي المتقاعد إلياهو فينوجراد رئيس اللجنة الخاصة بالتحقيق في تلك الحرب التقرير النهائي لها. وأتى التقرير لكي يؤكد من جديد حقيقة ما جرى في ذلك الشهر من العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان وما انتهى إليه من إخفاق كبير تعترف اليوم بكل تفاصيله اللجنة الإسرائيلية الرسمية بعد أن ظلت بعض الأقلام والأصوات العربية تحاول الترويج منذ نهاية ذلك العدوان بعكس ذلك تماماً والتأكيد على الانتصار الإسرائيلي الساحق فيه.
أتى تقرير فينوجراد لكي يعيد بصياغة إسرائيلية معظم ما انتهت إليه التحليلات الجادة والموضوعية العربية والأجنبية لنتائج الحرب الإسرائيلية الغاشمة على لبنان في حينها، التي رأت أن حكومة أولمرت وجيش دفاعه قد فشلا بصورة ذريعة في تحقيق كل الأهداف التي أعلن رئيس الحكومة وقادة الجيش أنهم شنوا الحرب لتحقيقها. فقد ظل الجنديان الإسرائيليان اللذان اختطفهما مقاتلو حزب الله وشنت حكومة تل أبيب العدوان لتحريرهما في يد الحزب حتى اليوم إضافة إلى رفات جنود إسرائيليين آخرين سقطوا قتلى في الحرب الإسرائيلية الغاشمة. كما أن التفاوض حول مصير الجنديين مع حزب الله، الذي أكدت حكومة أولمرت حينها إصرارها التام على رفضه مفضلة العدوان العسكري لتخليصهما، قد أصبح منذ شهور هو الوسيلة الوحيدة التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه من أجل تحقيق الهدف نفسه، إضافة إلى الحصول على رفات الجنود القتلى. أما عن هدف الإيقاف التام لقدرة صواريخ حزب الله على تهديد المدن والقرى في العمق الإسرائيلي، فلاشك أن استمرار إصابتها ذلك العمق حتى ساعات الحرب الأخيرة يشهد على الفشل التام في تحقيقه، وها هو تقرير فينوجراد يؤكده بوضوح بقوله: "إن الجيش فشل في توفير رد فاعل على صواريخ حزب الله التي تواصلت طيلة فترة الحرب مما تسبب في اضطراب الحياة على الجبهة الداخلية وقضاء المواطنين أوقاتهم في الملاجئ." ويبقى أخيراً تدمير البنية العسكرية التحتية لحزب الله، وهو الهدف الرابع الذي أعلنه أولمرت لحربه على لبنان، ليمثل الفشل الرابع والأوضح له في هذه الحرب حيث لا تزال الحزب تحتفظ بتلك البنية بل وتشير تقارير عديدة منشورة إلى أنها قد تعاظمت عما كانت عليه قبل العدوان الإسرائيلي الفاشل.
وربما يكون ما جاء في تقرير لجنة فينوجراد من صياغات واضحة وصريحة لوصف أبعاد الفشل الإسرائيلي في تلك الحرب، كافياً اليوم لإقناع بعض الأقلام والأصوات العربية التي ظلت تنكر ذلك، فهو يأتي بعد تحقيقات دامت لشهور طويلة طالت كل المسؤولين الإسرائيليين ذوي العلاقة بالحرب ويصدر في أكثر من 600 صفحة، وهو فوق كل ذلك "إسرائيلي" وليس عربي أو إسلامي، مما يعطيه بالنسبة لأصحاب تلك الأقلام والأصوات ثقة ومصداقية ظلوا يشككون في توافرهما في أي كتابات أو تقارير عربية أو إسلامية. اعترف القاضي رئيس اللجنة في تقريره بأنه كان هناك فشل وتقصير على مستوى الجيش الإسرائيلي، وإن إسرائيل لم تنتصر عسكريا في الحرب بشكل واضح على حزب الله. كما أوضح التقرير التخبط الواضح الذي عانته القيادتان السياسية والعسكرية الإسرائيلي بعد اختطاف حزب الله للجنديين الإسرائيليين ما بين توجيه ضربة سريعة مدمرة لحزب الله أو القيام بعملية برية متواصلة، الأمر الذي أدى إلى أن إسرائيل ذهبت إلى الحرب قبل أن تحسم خيارها ودون وضع استراتيجية خروج من الحرب مما مثل إخفاقا خطيرا أثر في مسار الحرب كلها بعد ذلك. مضى التقرير خطوة أخرى أبعد لكي يقرر بوضوح أنه "نتيجة لذلك فإن إسرائيل لم تتوقف بعد إنجازاتها العسكرية الأولى، وتورطت في عملية برية بعد أن حال الجدول الزمني سياسيا وعسكريا دون إنهائها بشكل فاعل". وضمن المسؤولية عن ذلك التورط وجه التقرير انتقادات لاذعا للقادة العسكريين الإسرائيليين وبخاصة لقادة القوات البرية، واعترف دون مواربة بأنه "بالإجمال فشل الجيش الإسرائيلي ـ بسبب سلوك القيادة العليا والقوات البرية بشكل خاص ـ في توجيه رد عسكري فاعل للتحديات التي شكلتها أمامه الحرب في لبنان".
وبعد صدور التقرير الإسرائيلي عن الفشل الإسرائيلي المتعدد الجوانب والأبعاد في حرب صيف 2006 على لبنان سنقرأ ونسمع من الأقلام والأصوات العربية نفسها التي ظلت تنكر كل الحقائق التي أتى بها "معايرة" للعرب والمسلمين على عدم قدرتهم على تشكيل لجان مثل تلك التي أصدرته للتحقيق في هزائمهم، أكثر مما سنقرأ أو نسمع اعترافهم بخطأ تحليلاتهم ورؤاهم لتلك الحرب. إن هؤلاء مطالبون اليوم، وفقط بعد إعلان التقرير الإسرائيلي، بالاعتذار لشعوبهم وأمتهم عن كل ما أشاعوه حول هزيمتهم في حرب لبنان الصيفية، ولن نطلب منهم ذلك سوى أسوة بما فعله الإسرائيليون أنفسهم الذين يرى معظم أصحاب تلك الأقلام والأصوات أنهم المثل المتحضر والمتقدم والديمقراطي بالنسبة لهم.