الأشجار مطلب حضاري ولتبقى الرياض رياضا

رائعة تلك الحلة من الورود والأشجار والنباتات التي تتحلى بها مدينة الرياض منذ العام الماضي، والتي ما زالت أمانة منطقة الرياض تبذل جهودا مضنية لتجعلها تغطي جميع أجزاء المدينة والمنطقة. والأجمل هو ما سنراه قريبا على ميادين وتقاطعات طريق مكة وجسر الخليج ومع تقاطع طريق الملك فهد وميادين أخرى عديدة والتي جار العمل فيها وهي على وشك الانتهاء. فهل تصبح الرياض على اسمها رياضا الذي منه اشتق اسمها عندما كانت مجموعة من المزارع والروضات، وتصبح رياض الورد أو الرياض الخضراء؟ قد يتساءل الكثير: لماذا هذا الاهتمام بالأشجار وكيف نضمن بقاءها واستدامتها؟ ومن سيتولى تكلفة صيانتها وريها في ظل الظروف الجوية القاسية التي تعاني منها المنطقة في قلب الصحراء والعادات السيئة للبعض من المراهقين والمفسدين. أو ما نعانيه من مدى تجاوب المواطن الذي نزرع من أجله في احترامها والمساهمة مع المدينة في المحافظة عليها بعدم تدميرها بمرور السيارات عليها أو قلع الأشجار والعبث بها ومن دون سبب. وقد نعتقد أن الأشجار والنباتات هي إضافة تكميلية وترفيهية. ولكن هذا التفكير غير صحيح! ويكفينا شاهدا أن الشجرة وفوائدها تردد ورودها في القرآن الكريم وحديث الرسول "إن قامت على أحدكم القيامة وبيده فسيلة واستطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها". والذي يؤكده أيضا العلم الحديث.
فمهما تساءلنا فإنا يجب أن نعي أن الأشجار والنباتات أصبحت حقيقة، وكما تشير الأبحاث والدراسات تعد من أساسيات المدن، وإنها أحد أهم مكوناتها، خاصة بعد الاهتمام الأخير بالبيئة ومؤتمرها الدولي الذي اتفق فيه الجميع على أهمية الدعوة إلى المدن والمباني الخضراء والصديقة للبيئة.
وتفيد الدراسات العلمية والأبحاث أن معدل 300 شجرة زرعت في نيويورك خففت 145 طنا من التلوث الذي تعاني منه المدينة سنوياَ، وأن السيارات التي تجد مكانها تحت ظل الأشجار تقل حرارتها بمعدل تسع درجات عنها في المواقف غير المظللة.
الأشجار هي أداة طبيعية للتحكم في التلوث. فهي تمتص ثاني أكسيد الكربون وتضخ الأكسجين للهواء وهو الضروري للتنفس. أوراقها وأغصانها وجذوعها تخفف من سرعة الفيضانات. ووجودها على الأراضي يقلل من تصدعها أو انجرافها مع الفيضانات مما يحمى المنازل والأرواح خلال الفيضانات. وهي تنقي الهواء وتطرح ظلالها مما يجعل الجو أكثر برودة ليقلل استعمالنا للمكيفات وبالتالي يقلل استهلاك الطاقة. وهي مواقع ومستوطنات لتكاثر الطيور وحياتها. وهي عازل للمدن من الرياح المحملة بالأتربة فهي تعمل مثل الحزام الأخضر الذي ينقي الهواء حول المدن. إضافة إلى ما تضيفه من جمال طبيعي للمدن بخضارها الذي يبهج العين ويريح النفس مما يترك أثره في تعديل مزاجنا. هذا إضافة إلى دور الأشجار في دورة الحياة الفطرية للأشجار نفسها والحشرات والبكتيريا التي تنمو حولها. وإلى تكامل سلسلة الإيكولوجية الفطرية. وإنه يمكن معرفة التاريخ والعصور التي مرت بها الشجرة عن طريق النظر إلى مقطع لجذعها.
وقد لا نكون نغرد وحدنا خارج السرب، فالكثير من الدول حول العالم تهتم بالأشجار وتضع البرامج لحمايتها وتعاقب من يقطعها. وهي دول تكثر فيها تلك الأشجار وتغطي معظم أراضيها ومع ذلك يعز عليها فقدان واحدة. فكيف الأمر بنا الذين نفتقر إليها. بل أن هناك مؤسسة خيرية في بريطانيا تعنى بالترويج لزراعة الأشجار في المدن وآخر برامجها عمل خطة لمدة 20 سنة للزراعة التدريجية للأشجار حتى تقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري. ويشارك في البرنامج نفسه عدد من العواصم الأوروبية مثل مدينة مدريد وبوخارست وأديس أبابا الإفريقية.
وبعد أن تأكدنا من أهمية وضرورة التشجير قد يكون من حقنا أن نسأل عن أهمية اختيار الأنواع المناسبة لأجوائنا الصحراوية الجافة ومحاولة الاستفادة من التنسيق الصلب باستعمال مواد ونباتات بيئية صحراوية. ونباتات تتميز بامتصاص الحرارة والتلوث. وهي نباتات خاصة ومعروفة بدورها الفاعل في امتصاص بعض أنواع التلوث البيئي. وأن نعي بعض المواصفات والاشتراطات القياسية لطريقة ومواعيد الزراعة حسب الأبراج القمرية. والعمر والطول المناسب لكل نبتة. وكما تفيد الدراسات أن أفضل ارتفاع أو طول لبدء غرس الشجرة هو أربعة أمتار وهو الطول الذي يجعلها أكثر مقاومة وقدرة على النمو. وأن تكون من الأشجار المعروف عنها أنها تعيش أكثر من عشر سنوات، أي كلما كانت الشجرة من النوع المعمر كان ذلك أفضل.
لا شك أن هناك الكثير من المراجع والأبحاث التي يجب أن نستفيد منها في هذا المجال. بل إن هذه التجربة التي بدأتها أمانة منطقة الرياض قد تكون فرصة لنا قد نفيد العالم بتوثيق نتائج هذه التجربة خلال السنوات المقبلة التي نتمتع فيها بهذه الأشجار. وأن نسخر لها البحث العلمي لتستفيد منها الأجيال المقبلة. وأن تكون هناك قاعدة معلومات لكل شجرة أو نبتة نزرعها في مدننا توضح تاريخها والظروف أو الأمراض التي مرت بها. ومدى شراهتها للمياه وتحملها للجو. وإلى أي درجة حرارة تستطيع أن تصمد. وإن يتم توثيق المعلومات نفسها لأي نبته بديلة، ونستمر في ذلك المنحى من التجارب حتى نصل إلى نهاية الطريق لمعرفة الأنسب والأصلح لظروفنا.
جميل أن نرى منطقة الرياض تعيش الحلم الأخضر والوردي. وجميل أن نتمتع بمناظر خضراء متعة للناظرين، خاصة عندما نختنق في الازدحامات عند إشارات المرور المكتظة بالسيارات وعوادمها الملوثة للجو.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي