المادة المقدمة إعلاميا من منظور المحك العربي!
عندما نتحدث عن الإعلام فإننا في الواقع نتحدث عن العصب الفكري المتين للمجتمعات، و توجهاتها وأفكارها وموضوعاتها وهذا بلا شك من شأنه أن يعطي أهمية بالغة جدا لما يسمى بالمسؤولية الإعلامية التي من المفترض أن تحمل على عاتقها هموم المجتمع و تطرحها وتسعى كأقل تقدير على حلها و لو من باب اعتبار أن جزءا من تلك المسؤولية الإعلامية إنما يحوي نوعا من أنواع تنفيس المجتمعات عن قضاياها والتفاعل مع أهدافها، لذا أعتقد أن الإعلام يظل المدرسة الأولى للتعلم الجمعي داخل الشعوب بل والأخطر من ذلك أن هذا النوع من التعلم لا تتلقاه المجتمعات كنوع من التعليم القصدي بل في الواقع هو يعد نوعا من أنواع التعليم التلقائي الممتزج بين العلم والثقافة والعادات والتقاليد وكيفية قولبتها للأجيال المتلقية بكل الطرق المفتوحة بما فيها التوجهات السلبية التي تولد نوعا من العجز الفكري لدى بعض المجتمعات، فالجميع يتشرب من الإعلام خاصة في وقت أصبح الإعلام فيه يطرق كل الأبواب قسرا، فلم تعد الاختيارات متاحة غير ما يفرضه الإعلام بوسائله المختلفة ليؤثر في العقول كيفا كانت توجهاته سلبيا أو إيجابا وإن كنا في المجتمعات العربية نلقى اللوم على كثير من العوامل التي ربما أسهمت في جعلنا نحمل اسم دول العالم الثالث تارة أو اسم الدول النامية تارة أخرى، إلا أن للأسلوب الذي يتواجد من خلاله الإعلام العربي نصيب وافر جدا في إيجاد مجتمعات تفكر بتلك الهشاشة الفكرية التي نراها تطفو على مجتمعاتنا العربية وأبسط ما يكون ذلك في طرح وسائل الإعلام العربية خاصة الفضائيات الهموم العربية بشكل يبعد عن الموضوعية ويركز بشكل شبه كلي على تحويل القضية إلى قضية خلاف ينحصر في تبادل الاتهامات الصريحة أو المبطنة بين ضيوف الحلقات والسبب هو أن الجميع يريد أن يحقق الكمال أمام الإعلام بأكثر من نسبة 100 في المائة!! لذا فإن ذلك يعني أن المشكلة المطروحة للنقاش ستتدحرج بين الأفراد المستضافين لتتحول إلى شحنة انفعالية تظهر أمام المشاهد أو المتلقي بشكل عام على أنها نوع من اختلاف الآراء، وبالتالي سيتحول الهدف الأساسي وهو السعي لإيجاد حلول لقضية ما إلى السعي إلى الاستعراض الإعلامي لكل ضيف من الضيوف حتى اعتاد المشاهد العربي أن ينفس عن همومه في تفريغ ذلك رمزيا عن طريق تحقيق الإشباع من جراء تلك البرامج والتي هي أبعد ما تكون عن الوصول للهدف أو حتى على الأقل التزام أدبيات الحوار. ولا أبالغ إذا رأيت أن المتلقي العربي أصبح لا يقيم نجاح البرنامج إلا بكثرة التجاذب السلبي للحوار القائم أو المادة المقدمة وهذا هو محكه الأول والسؤال هنا: لماذا يقولبنا الإعلام العربي على تلك المنهجية الخاطئة في التلقي؟!
وإذا كنا نلاحظ انتشار دورات تطوير الذات والشخصية في مجتمعاتنا العربية وهي دورات لا تهرول أغلبها سوى خلف الكسب المادي فإننا في المقابل نحتاج من الإعلام العربي أن يغير من وجهته في عرض قضايانا العربية وهو الأقوى من أي دورات تقام حتى نتعلم المحك الحقيقي لتقييم المادة الإعلامية المقدمة، حيث نحتاج فعلا أن نعرف خطوات التلقي الإيجابي للمعلومات الإعلامية والتي لا بد أن تكون بعيدة عن الشد والجذب السلبيين وفي المقابل يكون القائمون على إعداد تلك المواد ذوي إدراك لقيمة الحيز الإعلامي المعطى ومدى تأثيره في المتلقين فهل يفكر الإعلاميون أن يكونون أكثر إبداعا وأكثر جدية في بناء فكر عربي فعال؟!