زيارة في الوقت الضائع
على مدى عشرة أيام يحل الرئيس الأمريكي جورج بوش ضيفا على المنطقة, ولكن وبكل المقاييس سيكون ضيفا ثقيلا سياسيا عليها باستثناء إسرائيل التي كان فيها من "أهل البيت" كما نقول تعبيرا عن الحميمية – وهو ما عكسه وعده بالعودة إليها للمشاركة في احتفالات إنشائها وطنا مغتصبا من أرض فلسطين العربية المسلمة لليهود الذين جلبوا من شتى بقاع الأرض. وهو سيكون ضيفاً ثقيلا لعدة أسباب، أولها أن الداء لا يمكن أن يكون الدواء, فسياسات إدارته ذات التوجه اليميني الموصوف بالمتطرف المتبنية فكر تيار المحافظين الجدد المنبثق من عقيدة "المسيحية الصهيونية", هي أحد مسببات الأزمات التي تعصف بالمنطقة بدءا من غزو واحتلال العراق وما نتج عنه من أوضاع مأساوية يتعرض لها هذا البلد العربي العريق, مرورا بتصعيد الأزمة مع إيران بسبب برنامجها النووي بالرغم من تقرير جهاز المخابرات الأمريكية الأخير الذي يشير إلى تخلي إيران عن الشق العسكري في برنامجها النووي منذ عام 2003م, وليس انتهاء بتصدع عملية السلام العربي - الإسرائيلي بسبب تشجيعها سياسة الاستيطان من ناحية، وإطلاق يد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لممارسة أقصى درجات العنف مع الفلسطينيين من ناحية أخرى, أيضا يأتي وهو يعاني من أزمات داخلية أوصلت إلى تدني شعبيته إلى حد لم يصل إليه أي رئيس أمريكي سابق بسبب التورط في حروب ذكرت الشعب الأمريكي بورطة حرب فيتنام, وأيضا من أزمات خارجية بسبب توريط العالم في حروب وصراعات ما زالت مفتوحة باسم محاربة الإرهاب التي صنفته بسببها استطلاعات للرأي في دول غربية حليفة للولايات المتحدة على أنه أسوأ رئيس أمريكي, ومنها أيضا أنه يزور المنطقة وهو وفي الأشهر الأخيرة من ولايته, وإضافة لما يحمله الرئيس بوش على كاهله من أزمات وما تعانيه إدارته من مشكلة مصداقية وثقة أدت إلى تساقط العديد من أركانها أو كما وصف في الولايات المتحدة بهروب الفئران من السفينة الغارقة, فإن الجميع يعرف أنه بات قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح "بطة عرجاء" حسب التعبير الأمريكي لوصف حال الرئيس في السنة الانتخابية حين لا يصبح قادرا على اتخاذ القرارات الكبرى, وهذا في المجمل يعني أن قدومه وهو بهذه الوضعية إلى منطقة تعاني من أزمات تاريخية كبرى ومعقدة وصعبة لا مردود له، فهو لا يملك ما يمكن أن يقدمه وهو على وشك الانصراف نهائيا ومحملا بكم وافر من الإخفاقات.
كان يمكن أن يجد الرئيس بوش ترحيبا واسعا حتى شعبيا لو أنه جاء ببرنامج سياسي يستشف منه أنه عاقد العزم على إصلاح سياسات إدارته السلبية على مدى سنواتها الماضية, وبعزم أكيد على إنهاء ولايته الأخيرة بإنجازات تاريخية ستحسب له وليس عليه, إلا أن البوادر الأولية لهذه الزيارة لا توحي بذلك بدءا من "طقوس" زيارته لإسرائيل, وتصريحاته الملغومة حول تعويض اللاجئين الفلسطينيين بهدف إسقاط حق العودة, وإشارته الواضحة لهوية الدولة العبرية اليهودية, ودعوته العرب لمد يد السلام لإسرائيل مقابل حديث مبهم غير محدد عن دولة فلسطينية لا يعرف أحد صفتها وحدودها وكينونتها, وسعيه لتسويق التخويف من خطر إيراني يعرف الجميع أنه مبالغ فيه, كل هذه المواقف للرئيس بوش واستمرار لغته الخشبية عن السلام والإرهاب والخطر الإيراني توحي بأنه لم يأت بجديد, وأنه جاء لتسويق بضاعة سياسية بائرة لا يمكن تسويقها في منطقة خطوط أمنها ومصالحها واضحة لأهلها, كما أن قادتها يملكون من الخبرة والقدرة والحكمة ما يجعلهم قادرين على التعامل مع مثل ما يسعى الرئيس بوش إلى الترويج له مما يتعارض مع مصالح المنطقة الحقيقية والدائمة.
إن أبلغ توصيف لجولة الرئيس بوش هذه هي أنها سياحة سياسية, فهو يزور أكثر المناطق تأزما وأشدها توترا في الوقت الضائع من ولايته الأخيرة والنهائية من ناحية, ومن ناحية يزورها وهو خاوي الوفاض من أي قيمة سياسية جراء النقد الموجه إلى سياسته وسياسة إدارته وأنهما غامرتا بإشعال الصراعات وعجزتا عن إنهائها, وأن هذه الزيارة تهدف لأغراض انتخابية لدعم موقف حزبه الجمهوري الذي يعاني من سوء السمعة التي جلبتها له إدارته وتحسين صورته أمام الناخب الأمريكي.
بقي أن نقول إننا مستعدون لسماع أي شيء منه ما عدا الحديث عن العدالة وحقوق الإنسان والحرية وغيرها من القيم التي انهارت في العراق وأفغانستان نهارا جهارا، وأبو غريب وجونتانامو خير شاهد عليها.