80 عاماً من عمر الإخوان المسلمين

drashwan59@yahoo .com

يوافق العام الميلادي الجديد الذي بدأ قبل أسبوعين فقط الذكرى الثمانين لإنشاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي صارت خلال هذه المدة حركة عالمية واسعة لها امتداداتها وفروعها في معظم الدول المسلمة وكثير من الدول الغربية وأصبحت واحدة من أبرز الظواهر الإسلامية التي تؤثر في كثير من السياسات الداخلية للدول التي توجد فيها فضلاً عن تأثيرات أخرى مهمة على بعض السياسات الخارجية والعلاقات بين الدول.
وقد نشأت الجماعة في مدينة الإسماعيلية على ضفاف قناة السويس على يد حسن البنا، المدرس الشاب المولود عام 1906 وخريج كلية دار العلوم في القاهرة ومعه ستة من إخوانه، وما هي إلا أعوام قليلة حتى تحولت إلى جماعة كبيرة ممتدة فروعها في مختلف مناطق مصر. وخلال العقد التالي، تجاوزت الجماعة الحدود المصرية لتبدأ فروعها في الانتشار في عديد من مناطق العالم العربي والإسلامي ابتداءً من منطقة الشام وفلسطين، لتتحول بعد ذلك وحتى اليوم إلى كبرى الحركات الإسلامية على مستوى العالم. ولم يكن انتشار الإخوان المسلمين وتصاعد وجودهم في مصر خلال تلك السنوات ممهداً، فقد تخللته عقبات وأحداث عنف عديدة بعضها تورطت فيها الجماعة بينما عانت من بعضها الآخر. فقد أنشأت الجماعة في منتصف الأربعينيات تنظيماً سرياً شبه عسكري بداخلها بررت وجوده بمقاومة الاحتلال البريطاني في مصر والتغلغل اليهودي في فلسطين، بينما رأى خصومها أنه كان معداً للاستيلاء على الحكم بالقوة ومواجهة هؤلاء الخصوم. وبدءاً من النصف الثاني للأربعينيات تورط أفراد من الجماعة في عدد من أعمال التفجير والاغتيال مما أدى إلى قيام رئيس الوزراء حينئذ محمود فهمي النقراشي بإصدار قرار في كانون الأول (ديسمبر) 1948 بحل الجماعة واعتقال عديد من قياداتها وأعضائها. وبعد 20 يوماً من ذلك القرار، قام أعضاء من الجماعة بتدبير وتنفيذ اغتيال النقراشي، ليخلفه في رئاسة الحكومة إبراهيم عبد الهادي الذي قاد أوسع حملة اعتقال وعسف بأعضاء الجماعة حتى ذلك الوقت، التي أصبحت تعرف في أدبياتها بالمحنة الأولى.
وعلى الرغم من تبرؤ مؤسس الجماعة ومرشدها الأول من منفذي اغتيال النقراشي واعتباره أنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" حسب عنوان بيانه الشهير، فقد تم اغتياله مساء السبت 12 شباط (فبراير) 1949، وهو ما أدخل الجماعة في مرحلة اضطراب استمرت حتى تشرين الأول (أكتوبر) 1951 عندما تم اختيار المستشار حسن الهضيبي ليخلفه في موقع المرشد العام لها، وهو لم يكن ضمن هيكلها القيادي ولكن اختياره جاء لتفادي الخلافات بين بعض أعضاء تلك الهياكل حول أحقية كل منهم في تولي هذا المنصب الأول في الجماعة. إلا أن وقتاً طويلاً لم يمر حتى وقعت ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 التي نفذها ضباط في الجيش المصري ارتبط بعضهم بعلاقات وثيقة مع الجماعة، مما جعل الطرفين يعيشان شهر عسل قصير سرعان ما انتهى بسبب الصراع الذي دب بين الطرفين حول تقاسم السلطة الجديدة في مصر أو الانفراد بها. ففي كانون الثاني (يناير) 1954 أصدرت قيادة الثورة قراراً بحل الجماعة، الأمر الذي حولها إلى كيان غير قانوني محظور في مصر وهو الوضع الذي ظل سارياً حتى اليوم. ثم أتت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في تشرين الأول (أكتوبر) 1954 التي أنكرت قيادة الجماعة تورطها فيها، بينما أوضحت مؤشرات كثيرة أن أفراداً من تنظيمها الخاص هم الذين كانوا وراءها، لكي تكون بداية حملة قمع واسعة للجماعة صارت تعرف من جانب الإخوان بالمحنة الثانية في تاريخهم.
وبعد خلافة الرئيس أنور السادات عبد الناصر، قام بالإفراج عن كافة قيادات وأعضاء الجماعة من السجون وأعطى لها مساحة واسعة للتحرك العلني باسمها في المجتمع المصري. وبعد وفاة المرشد الثاني للجماعة اختير عمر التلمساني مرشداً ثالثاً لها عام 1974، لتبدأ معه الجماعة ما يمكن تسميته بتأسيسها الثاني في مصر، حيث انضم إليها آلاف من طلاب الجامعات المصرية، أصبحوا يمثلون اليوم ما يسمى بالجيل الثاني فيها. وفي السنوات الأخيرة لحكم السادات وبدءاً من زيارته الشهيرة للقدس في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1977 تدهورت علاقة الجماعة به حتى اغتياله في تشرين الأول (أكتوبر) 1981 على يد إسلاميين جهاديين على غير صلة بالإخوان، بعد أن اعتقل قبلها بنحو شهر آلافاً من معارضيه بمن فيهم المرشد العام للإخوان وعدد من قيادات الجماعة.
وبمجيء الرئيس حسني مبارك إلى الحكم تميزت علاقته بالجماعة بقدر من التسامح لنحو عشر سنوات استطاعت خلالها أن توسع من وجودها في المجتمع المصري وبصفة خاصة دخول البرلمان للمرة الأولى بعدد كبير بدءاً من عام 1984 فضلاً عن اكتساحها انتخابات مجالس النقابات المهنية المختلفة. إلا أن العلاقات تغيرت بدءاً من كانون الثاني (يناير) 1995 حيث شنت الدولة حملات متتابعة على الجماعة استمرت حتى اليوم اعتقل خلالها آلاف كثيرة من قياداتها وأعضائها وأحيل عشرات منهم لست محاكمات عسكرية أدانت نحو 150 منهم بالسجن لمدد مختلفة. ومع ذلك فقد نجح الإخوان في الفوز في انتخابات مجلس الشعب عام 2000 بسبعة مقاعد من مقاعده الـ444 بينما حصلت كل أحزاب المعارضة الرسمية على 16 مقعداً فقط. وبتولي محمد مهدي عاكف منصب المرشد العام للجماعة في كانون الثاني (يناير) 2004، دخل الإخوان إلى أكثر مرحلة في تاريخهم من النشاط السياسي. فقد استطاعوا أن يحصلوا في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 على 88 مقعداً بينما حصلت كل أحزاب المعارضة على تسعة مقاعد فقط. وشارك الإخوان بكثافة في كافة التطورات السياسية التي شهدتها مصر منذ ذلك الوقت، وأصبحوا الرقم الأكثر أهمية وصعوبة في الساحة السياسية المصرية سواء بالنسبة للحكومة أو للمعارضة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي