من أين جاءت فكرة التضحية بالإنسان كقربان؟

من أين جاءت فكرة التضحية بالإنسان كقربان؟

من أين جاءت فكرة التضحية بالإنسان كقربان؟

[email protected]

في قصة ولدي آدم جاءت كلمة القربان (فقربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) والقربان هنا شكله حيواني ولم يكن إنسانيا، ولكن القصة تنتهي بكارثة، عندما يقدم أحد الأخوين على قتل أخيه لحل الخلاف. وفي الواقع أن الآيات الست من سورة المائدة مليئة بالترميز عن طريقة عجيبة، في فك النزاعات البشرية، بتوقف أحد الأطراف عن خوض الصراع، وتحمل كل الآلام بما فيها الموت، دون التورط في النزاع المسلح والقتل.
وهي طريقة لا نستطيع استيعابها قط، لولا أن القرآن ذكرها باعتزاز لهداية العقل البشري..
وهذه العادة الخبيثة في التضحية بالإنسان قديمة قدم الجنس البشري، وكما يقول المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت في كتابه قصة الحضارة:
(والظاهر أن التضحية بالإنسان قد أخذ بها الإنسان في كل الشعوب تقريباً، فقد وجدنا في جزيرة كارولينا في خليج المكسيك تمثالاً كبيراً معدنياً أجوف لإله مكسيكي قديم، فوجدنا فيه رفات كائنات بشرية لا شك أنها ماتت بالحرق، قرباناً له، وكلنا يسمع بـ (ملخ) الذي كان الفينيقيون والقرطاجيون وغيرهما من الشعوب السامية حينا بعد حين يقدمون له القرابين من بني الإنسان..) اهـ..
وهذا يذكرنا بموقف عمر بن الخطاب أثناء الفتح الإسلامي لمصر مع العادة التي كانت سائدة هناك، بتقديم فتاة سنوياً، تلقى حية لتماسيح النيل الجائعة المتدفقة مع الطمي من الحبشة والسودان، بدعوى خصوبته، وقذفه بالطمي المناسب، فلما سأل عمر ـ رضي الله عنه ـ عما يفعلون تجاه هذه الظاهرة أرسل إليهم رسالة طلب منهم أن يلقوها في النيل!
يقولون إن محتوى الرسالة كان مايلي:
(من عبد الله ـ عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ـ إلى نيل مصر!!
يا نيل إن كنت تجري بسنة الله فاجر كما كنت تجري، وإن كنت تجري بسنة الشيطان فلا حاجة لنا بجريانك)
وأنقذت فتاة ذلك العام من الموت غرقاً وافتراسا، وزالت تلك العادة منذ دخول الإسلام أرض مصر.
ولعل مصدر فكرة (القربان) هو الخوف من الطبيعة عند الإنسان البدائي، الذي لم يستطع تفسير الظواهر الكونية، التي أرعبته.
يقول المؤرخ ديورانت في جزئه الأول من سفر قصة الحضارة ص 99 إن:
(الخوف كما قال لو كريشيوس ـ أول أمهات الآلهة ـ وخصوصاً الخوف من الموت؛ فقد كانت الحياة البدائية محاطة بمئات الأخطار، وقلما جاءتها المنية عن طريق الشيخوخة الطبيعية؛ فقبل أن تدب الشيخوخة في الأجسام بزمن طويل، كانت كثرة من الناس تقضي بعامل من عوامل الاعتداء العنيف، ومن هنا لم يصدق الإنسان البدائي، أن الموت ظاهرة طبيعية، وعزاه إلى فعل الكائنات الخارقة للطبيعة).
ومن جملة الإشكاليات العقلية للعقل الإنساني البدائي (الطفلي) تصوره أن ذبح الإنسان ورش دمه في الأرض وقت البذر يجعل الحصاد أفضل، ولذا كانت ظاهرة القربان البشري شيئاً مكررا في التاريخ، في محاولة لحل إشكالية عمل الطبيعة وفهمها كيف تتصرف؟ أو في حل إشكالية أضخم من ذلك، فلا نتصور أن الحرب هي ظاهرة هائلة للقرابين البشرية. عندما نشأت بذور الحرب كمرض كرموسومي مرافق لولادة الحضارة الإنسانية.
أما مبررات التضحية بالإنسان فكانت أمرين:
كان الأول كما ذكرناه أما الثاني فكان لأكله!! وهو معروف وشائع باللغة الإنجليزية تحت (الكانيباليزم)؛ بل لا تزال بعض بقايا القبائل التي أدركها التاريخ المعاصر تمارس هذه الشعائر، وهي حقيقة لا نكاد نتصورها، ولكنها واقعة مسجلة!!
فقد جاء في كتاب قصة الحضارة لويل ديورانت صفحة 20 من الجزء الأول أنه "لما مر (بيير لوتي) بجزيرة تاهيتي أخذ رئيس كهل من رؤساء البولينزيين يشرح له طعامه فقال: إن مذاق الرجل الأبيض إذا أحسن شواؤه كمذاق الموز الناضج!!
وأما في جزيرة بريطانيا الجديدة؛ فقد كان اللحم البشري يباع في دكاكين اللحامين، كما يبيع القصابون اللحم الحيواني اليوم، وكذلك في بعض جزر سليمان كانوا يسمنون من يقع في أيديهم من الضحايا البشرية، وخصوصاً النساء ليولموا بلحومهن الولائم كأنهم الخنازير البرية السمينة".

الأكثر قراءة