أحمد تاج الدين.. أول ماكيير يدخل فن التنكر إلى السعودية
عرفت البشرية فن التنكر منذ العصور القديمة، فنجد في بعض الحضارات يستخدمون صبغ الوجوه للدلالة على أمور معينة، إما لإخافة العدو كما كان يفعل المقاتلون، وإما للتزيين كما فعلت كليوباترا الملكة الفرعونية، حيث تعد من أوائل الذين استخدموا هذه الأساليب للتزيين.
ورغم قدم هذا الفن وعراقته في حضارات كثيرة، إلا أنه وللأسف دخل إلى السعودية في وقت متأخر نسبيا، ولعل أول من أدخل هذا الفن إلى السعودية هو أحمد تاج الدين، حيث التحق وأدواته التي تتعلق بفن التنكر والمكياح في التلفزيون السعودي، وكان مبنى التلفزيون آنذاك مجرد مكان صغير صنعت جدرانه من "الشينكو"، ويعمل فيه بعض الأجانب.
أحمد تاج الدين بن صبحي الشيخ، مواليد قطنة في ريف دمشق 1930م، درس في بلده سوريا حتى حصل على الثانوية العامة، ثم حصل على أهلية التعليم الابتدائي وعين مدرسا في بلده، وظل في سلك التدريس من 1945م وحتى 1964م، وبعد ذلك بدأ العمل لصالح التلفزيون العربي السعودي كماكيير محترف.
متى دخلت السعودية أول مرة؟
قدمت إلى المملكة العربية السعودية أول مرة في 1/7/1965 الموافق 3/3/1385هـ، وكان قبل ذلك بعام (1964م) عين عباس فايق الذهبي مديرا للتلفزيون السعودي في عهد الملك فيصل - رحمه الله - وكنت آنذاك أقدم برنامج اسمه "خيمة حماد" في التلفزيون السوري، كان يخرجه دريد لحام، وكان مدير التلفزيون العربي السوري صباح قباني، حيث كان التلفزيون السوري ينافس التلفزيون المصري بعد الوحدة التي حصلت بين البلدين 1960م، رغم تطور التلفزيون المصري آنذاك. أتى الأخ عباس الذهبي وقال "أريد هالشيبة" حيث كنت متنكرا بزي بدوي فحضرت معه، وقال لي آنذاك "أخ أحمد الشعب عندنا ما وده لا تنكر ولا إخراج، فقط تقوم بإحضار أي شخصية نقوم بسرد قصتها وأحداثها عليك بدون مكياج"، حينها قدمت إلى جدة في 3/3/1385هـ ـ 1/7/1965م، كنا في البداية فقط نقرأ أقوال الصحف، حيث كانت هناك محاذير كثيرة للعروض بالنسبة للتلفزيون السعودي، فأتى الأخ جميل حجيلان وقال لنا: "نحن أتينا بكم هنا أساتذة لتعريف الناس بالتلفزيون، تعلمونهم كيف يحاكون الواقع الافتراضي لهذا الصندوق الجديد على ثقافتهم" وكان عقدي مع التلفزيون السعودي يؤهلني للعمل مخرجا ومساعدا للمخرج.
ماذا عن مهنتك الأصلية "التنكر" وما هي أنواعها في العمل التلفزيوني؟
ينقسم فن التنكر إلى عدة أقسام أهمها "مكياج الأعمار"، وهو ما يتعلق بإخفاء عمر الإنسان وذلك بتحويل شكل الإنسان من شاب صغير في العشرين إلى كهل في الثمانين أو تحويل شكل الرجل إلى امرأة، ويتم ذلك بإضافة تجاعيد للوجه وصبغ الشعر باللون الأبيض وتركيب شعر معين، وهنا يجب أن يكون الفني دارسا لعلاقة الماكياج بالأجناس البشرية، يعرف الناحية الجغرافية أو العرقية للشخصية المراد الوصول إليها بعد التكبير أو التصغير، لأن شكل ابن البادية يختلف عن ابن المدينة وابن الشام يختلف عن ابن اليمن والأوروبي يختلف عن الإفريقي.. إلخ.
هناك أيضا فن المكياج "التجميلي"، وهذا في الغالب يستخدم من قبل النساء لإخفاء بعض العيوب وإخفاء السن الحقيقي للمرأة حتى تبدو كأنها في سن الشباب مع إعطاء مسحة جمالية لها. وهناك المكياج "التصحيحي" وهو ما يستخدم في الغالب في الأعمال التلفزيونية لإخفاء الجروح أو الحبوب أو تغير لون الشعر، وهناك "مكياج الشخصية" أو "الشخصيات" وهو أن تتحول الشخصية من شكل إلى شكل آخر مختلف تماما، فيمكن أن نرى رجلا أوروبيا على شكل صيني أو عربي على شكل إفريقي.. إلخ، ويمكن تحويل بعض الشخصيات مثل ضابط أو مشعوذ أو فراش أو شخصية خرافية من خلال شكل إنسان عادي، وهناك نوع متقدم من التنكر وهو الخاص بإيجاد شخصية شبيهة بإنسان مهم مثل رئيس دولة حيث يمكن وضع شخصيتين وكأنهما توأمين من خلال طبعة معينة تؤخذ من وجه الأصل في جميع الملامح، ويوضع لها بعض المواد وهي من معامل متقدمة جدا، وتلصق بعدها هذه الرقاقة على وجه الشخص المراد فيكون النسخة الأخرى من الأصل، وهذه عملية دقيقة يصعب التعرف على صاحبها بسهولة.
أخ أحمد.. ما أهم أدوات هذا الفن "فن التنكر"؟
بالنسبة إلى أهم أدواته فهي أصابع ألبان Pan Stcik، وهو معجون تغيير لون البشرة، وأقراصها "البان كيك" وهي بودرة جافة تحلل ويطلى بها الوجه ولها ألوان مختلفة تقوم مقام الستيك، كريم التنظيف يستخدم لإزالة المكياج لأنه لا يزول بالماء مثل المواد الملصقة، فرش تحديد التجاعيد وتلوين الشعر"، وكريب الشعر وهي ضفائر من الشعر الحقيقي والصناعي لعمل شعر الوجه، محلول لاصق لشعر اللحى والشوارب، مثبت الشعر، مواد التغطية لعمل الجروح والحروق، والعدسات اللاصقة بألوان مختلفة.
ما أبرز الشروط الواجب توافرها للعاملين في هذا الفن؟
هناك أشياء مهمة يجب توافرها في فني التنكر، من بينها أن يكون ملما بمصادر نماذج الشخصيات حتى يكون أدق وأقرب إلى تحقيقها، فهناك أشياء دقيقة وصغيرة تكون ثغرة كبيرة في عمل التنكر، وكمثال بسيط نجد بعض الممثلين أحيانا يقوم بعمل دور تاريخي من العصور القديمة ويلبس ساعة في معصمه، يجب أن يكون كذلك ملما بطبيعة الأجناس البشرية فكل جنس له مواصفاته وطبائعه الخاصة، ويجب أن يكون فني التنكر عارفا بها حتى يصل إلى أقرب نسبة تمثل الشخصية الحقيقية، وأن يكون رساما تشكيليا يجيد استخدام الفرشاة والألوان لعمل تغيير للشخصية، فالرسام يعرف كيف يكون شكل الرجل المسن صاحب الثمانين عاما من ملامح الوجه والعينين وغيرها، وأن يكون عارفا بالتوزيع الجغرافي لمعرفة الأجناس وطبائعها وأنا لا أقصد بكلمة عارف أي عالم فهذا مستحيل، أقصد أن يكون ملما بما يساعده على إنجاح عمله بالمستوى المطلوب فهذا العمل يجب أن يمارس بشكل مستمر لأنه يكتسب بالخبرة التطبيقية.
اذكر لنا من المواقف الطريفة التي مررت بها أثناء عملك في الأعمال المحلية؟
من المواقف التي لا أنساها كنت أعمل ماكييرا لفريق عمل مسلسل "أبو مسامح"، وكان يريد أن يقوم بالتصوير الفوتوغرافي للشكل الجديد بعد عمليات الماكياج، فدخل "أبو مسامح" إلى محل التصوير الفوتوغرافي على أساس أنه رجل مسن يكره التصوير، فأوهم المسؤول عن المحل أنه يريد تحطيم الصور، فرجاه صاحب المحل ألا يفعل ذلك، فضحك أبو مسامح وأخبره أنها دعابة فقط، وكان الموقف مضحكا جدا حيث كان "أبو مسامح" ممثلا عظيما ويستطيع إيهام أيا كان بالشخصية التي كان يمثلها.
هل يستطيع المتخصصون في هذا المجال أن يكتشفوا المتنكرين؟
نعم لا بد أن يكون هناك بروز معين أو أثر معين لا يخفى على من يعمل في هذا المجال، مع أن هذا الفن وصل الآن إلى مرحلة متقدمة جدا، يصعب على المتخصصين حتى التعرف على التغيير في الصورة الحقيقية.
لماذا لا يمتهن الشبان السعوديون هذه المهنة؟
لعدة أسباب أهمها الدخل المادي الذي لا يساوي الجهد المبذول.
هل تمنيت أن أسألك سؤالا معينا ولم أفعل؟
نعم، تمنيت أن تسألني لم أنا إلى الآن أسكن في السعودية.
لم يا أخ أحمد؟
لأنني لم أحس يوما أنني في غير بلدي.
بما أنك من العاملين في التلفزيون السعودي.. ما رأيك فيه؟
هو تلفزيون لا يقدم ما يطلبه الجمهور، بل يقدم ما يحتاج إليه الجمهور، فهو تلفزيون محافظ، ويكاد يكون هو التلفزيون الرسمي الوحيد في العالم الذي يمثل دولة ويكون في التحفظ الخلقي عاليا حتى الآن.