قراءة في النتائج الاقتصادية لقمة الدوحة

[email protected]

من الصواب وصف النتائج الاقتصادية للقمة الثامنة والعشرين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي والتي عقدت في العاصمة القطرية بقمة الإنجاز الاقتصادي. وهذه التسمية مستعارة من الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي (عبد الرحمن العطية)، حيث أطلقها في ضوء توقعاته لنتائج قمة الدوحة. فقد نجحت القمة في تحقيق تقدم نوعي فيما يخص مشروع السوق المشتركة وذلك في إطار الهدف الأسمى والمتمثل في تحقيق تكامل اقتصادي بين الدول الست. في المقابل، لم تنجح القمة في حل بعض القضايا الاقتصادية الأخرى المرتبطة بمشروع الاتحاد الجمركي فضلا عن الاتحاد النقدي.

السوق المشتركة
يعد الإعلان عن تدشين مشروع السوق الخليجية المشتركة ابتداء من كانون الثاني (يناير) 2008 أهم إنجاز اقتصادي للقمة. وبموجب المشروع، يحق لمواطني دول المجلس مزاولة جميع الأنشطة الاستثمارية والخدمية وتداول وشراء الأسهم وتملك العقارات والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية في الدول الأعضاء. كما يسمح بحرية تنقل رؤوس الأموال وحقوق التأمين والتقاعد فضلا عن العمل والتوظيف في القطاعات الحكومية والأهلية في جميع دول المجلس.
وجاء إطلاق مشروع السوق المشتركة تتويجا لما تحقق في القمم السابقة وخصوصا قمتي أبو ظبي والرياض. وكانت دول المجلس قد وافقت في قمة أبو ظبي في عام 2005 على السماح لرعايا دول المجلس بفتح مكاتب التوظيف الأهلية وتأجير السيارات ومعظم الأنشطة الثقافية. كما أضافت قمة الرياض في عام 2006 ثلاثة أنشطة جديدة (خدمات التأمين والتخليص لدى الدوائر الحكومية والنقل) والتي يسمح بموجبها لجميع رعايا دول المجلس ممارستها داخل الدول الأعضاء.

المواطنة الخليجية
من شأن تطبيق السوق المشتركة تعزيز مبدأ المواطنة الخليجية في مسائل العمل والإقامة والتجارة. تشير بعض التقارير غير الرسمية إلى أن التجارية البينية الخليجية تمثل نحو 20 في المائة من قيمة التجارة العالمية لدول مجلس التعاون. وربما كانت النسبة الحقيقة أقل من ذلك نظرا لأوجه الشبه بين اقتصادات دول مجلس التعاون من قبيل تصدير المنتجات النفطية. بيد أنه هناك بعض الاستثناءات الحيوية مثل تميز الشركات السعودية في منتجات الزراعة. كما تتميز قطر بقدرتها على تصدير بعض السلع المرتبطة بقطاع الإنشاء. من الطبيعي أن نرى تحسنا في حجم التجارة البينية بين الدول الست وذلك بعد مضي فترة على تطبيق مشروع السوق المشتركة.

الاتحاد الجمركي
كما تطرقت القمة لموضوع آخر يخدم عملية التكامل الاقتصادي وتحديدا الاتحاد الجمركي. فقد أعرب البيان الختامي عن ارتياح زعماء دول المجلس لسير المشروع، والذي بدوره يسبق السوق المشتركة. لكن لوحظ أن البيان لم يشر إلى بعض القضايا العالقة في تطبيق المشروع بشكل كامل مثل كيفية اقتسام الإيرادات الجمركية بين الدول الأعضاء. يرتبط الأمر بمسألة نقطة دخول المنتج والجهة المستفيدة منها في نهاية المطاف.
يعود تاريخ دخول اتفاقية الاتحاد الجمركي إلى حيز التنفيذ لعام 2003. استنادا للخطة الأصلية، كان المفروض أن تنهي دول الخليج الإجراءات المطلوبة لتحقيق الاتحاد الجمركي مع نهاية عام 2005. بيد أنه قرر قادة دول المجلس في القمة السادسة والعشرين والتي عقدت في أبو ظبي بمضاعفة الفترة الانتقالية. في كل الأحوال، يستشف من بيان قمة الدوحة استمرار وجود نقاط خلاف بين الدول الأعضاء في بعض التفاصيل المتعلقة بمشروع الاتحاد الجمركي والذي يرتكز أصلا على مبدأ توحيد السياسات التجارية مع الدول غير الأعضاء في المنظومة. فقد أشار البيان إلى إطلاع القادة "على تقرير عن سير الاتحاد الجمركي وما تم إنجازه خلال هذا العام لتسهيل وتعزيز التجارة بين دول المجلس" لكنه لم يؤكد التطبيق الكامل للمشروع.

الاتحاد النقدي
كما تطرق البيان الختامي لمسألة الاتحاد النقدي والمزمع إطلاقه في عام 2010. حقيقة لم يكن مفاجئا قرار دول المجلس باستمرار العمل على استكمال المعايير المالية والنقدية لتطبيق المشروع في الموعد المحدد. وكانت بعض التقارير الصحافية قد توقعت الإعلان عن تأجيل تطبيق المشروع الطموح لأسباب مختلفة منها قرار عُمان بالانسحاب من المشروع برمته فضلا عن قرار الكويت بفك ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي. يتمثل التوجه الجديد في المجلس بعدم تأخير تطبيق أية مشاريع تكاملية على أن يتم السماح للدول المتخلفة بالانضمام للمشاريع المختلفة في وقت لاحق. وعلى هذا الأساس هناك توجه للاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي، حيث قررت بعض الدول الأعضاء وفي مقدمتها بريطانيا بعدم الانضمام لمنطقة اليورو لأسباب خاصة بها. طبعا من الممكن تأخير إطلاق المشروع لأساب فنية مثل مواجهة التضخم، إذ من الممكن اتخاذ هذا القرار في قمة مسقط في عام 2008.

لكن يؤخذ على القمة عدم تطرقها لموضوع حساس ذي أهمية ألا وهو ارتباط عملات دول مجلس التعاون بالدولار (باستثناء الكويت). فلم يشر البيان الختامي إلى هذه المسألة والتي كانت محل اهتمام وترقب المراقبين. بل إن عدم الإعلان عن موقف موحد ربما يزيد من الضغوط التي يمارسها المضاربون على قيم عملات دول المجلس. فهناك تكلفة لعدم اتخاذ بعض القرارات أو التهرب منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي