الجديد في وثيقة ترشيد العمل الجهادي

drashwan59@yahoo .com

إن المؤلف يفرد قسماً خاصاً بكيفية تعامل المسلمين مع أصحاب الديانات السماوية الأخرى في بلادهم، ويرى أن معيار المواطنة هو الذي أصبح اليوم ينظم العلاقات بين الطرفين في ظل عدم وجود دولة إسلامية، وهو يشدد على ضرورة التعامل مع أهل الكتاب بالحسنى ويجعل ذلك أحد شروط الإيمان بالإسلام نفسه ناهياً عن أي اعتداء عليهم معتبراً إياه من الذنوب الكبيرة.

للمرة الأولى في تاريخ الحركات الإسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية عام 1924 تقوم جماعات دينية جهادية ذات حجم كبير يقدر بعشرات الآلاف في حالة الجماعة الإسلامية المصرية وبعدة آلاف في حالة جماعة الجهاد المصرية أيضاً، بمراجعة جذرية وكاملة لأفكارها الجهادية القديمة ولتاريخ طويل من الممارسات المتشددة والعنيفة، لتنتهي منها بالخروج من ثوبها الجهادي العنيف والدخول في فئة الحركات الإسلامية السياسية السلمية فقد كان ذلك هو حال الجماعة الإسلامية منذ عام 1997 حين أطلق قادتها التاريخيون مبادرتهم الشهيرة لوقف العنف، ولتقوم بعد ذلك بإجراء "مراجعات" جذرية لكل ما اعتقدته وقامت به خلال السنوات السابقة معلنة نقدها لها ومسجلة كل ذلك فيما يزيد على 25 كتاباً أصدرتها حتى اليوم. وهذا هو اليوم حال جماعة الجهاد، التي تحولت منذ منتصف الثمانينيات إلى جماعة ذات شق داخلي مصري وآخر خارجي دولي تحول بعد ذلك ليصبح رافداً رئيسياً في تشكيل تنظيم القاعدة في نهاية التسعينيات فقد انضم عدد مهم من قادتها إلى مبادرة الجماعة الإسلامية منذ إعلانها وشرعوا بعد ذلك في إعداد مراجعاتهم التي تكتمل اليوم بصدور وثيقة "ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" لأمير جماعة الجهاد السابق ومفكرها الدائم الدكتور سيد إمام الشريف الشهير بالدكتور فضل أو عبد القادر بن عبد العزيز.
والشريف هو نفسه الرجل الذي نشر عام 1988، وقبل انتهاء الغزو السوفياتي لأفغانستان بعام واحد، كتابه الأول "العمدة في إعداد العدة"، الذي جاء في أكثر من 450 صفحة وخمسة أبواب لكي يكون، كما قال هو في مقدمته بمثابة إجابة عن السؤال التالي: "كيف يتأتى لنا القيام بواجب الجهاد ونحن في هذا الحال من الضعف والتفرق وقِلّة الحيلة؟ وقد كانت إجابة أمير جماعة الجهاد حينئذ ومفكرها الشرعي حسب المقدمة نفسها هي "أن القيام بواجب الجهاد يتأتى بالإعداد، ذلك الإعداد الذي جعله الله تعالى فرقانا بين المؤمن والمنافق". وفي عام 1993 صدر للمؤلف كتابه الثاني"الجامع في طلب العلم الشريف"، الأكثر عمقاً والأكبر حجماً، إذ تزيد صفحاته على 1100 صفحة، الذي رأى أنه يأتي لكي يلبي الحاجة الشديدة لدى المسلمين لمعرفة "العلم الشرعي الذي يعتمد عليه تجديد دين الأمة وبعثها من غفلتها وتخلفها، إذ لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". وحسب هذا المنهج السلفي الجهادي الذي حدده المؤلف منذ السطور الأولى يعرض في هذا الكتاب الموسوعي عبر أبوابه السبعة رؤيته لكثير من الموضوعات التي وصفها بأنها "تشغل بال المسلمين في هذا الزمان، ذاهباً في تشدده وغلو أحكامه فيما يخصها إلى الحد الذي يصح معه القول إنه شكل بالفعل القاعدة النظرية والفقهية للتيار الجهادي فكراً وحركة ليس في مصر وحدها بل وعلى مستوى العالم.
وفي عام 2007 يصدر الدكتور سيد إمام الشريف وثيقته الأخيرة الحالية: "ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" في نحو 110 صفحات، لكي يراجع فيها ويصحح كثيراً من الأحكام التي وردت في كتابيه السابقين بخصوص الجهاد و"كثير من المخالفات الشرعية"، التي شابته أثناء ممارسة بعض الجماعات الإسلامية له في سياق لجوئها إلى "الصدام مع السلطات الحاكمة في بلادها أو مع الدول العظمى ورعاياها باسم الجهاد"، كما يقول في مقدمة الوثيقة. يأتي الكتاب الصغير في 15 قسماً، إضافة إلى أربع ملاحظات رئيسية ملحقة به، لكي يطرح أحكاماً تختلف جذرياًَ عما سبق للمؤلف أن تبناه في كتابيه السابقين وعما تؤمن به حالياً عديد من الجماعات السلفية – الجهادية، وفي مقدمتها القاعدة فهو مثلاً يحرم الاعتداء بأي شكل على السائحين أو المقيمين الأجانب في البلاد المسلمة، حتى لو كانت بلادهم في حالة حرب مع تلك البلاد المسلمة، ذاهباً إلى القول إن السياحة تعد عملاً مشروعاً في الإسلام، وإن ارتكاب بعض الأجانب والسائحين بعض المخالفات لتعاليم الإسلام في بلاد المسلمين لا يوجب الاعتداء عليهم أو قتلهم. كذلك، وخلافاًَ لرؤية تنظيم القاعدة، يحرم الشريف قيام المسلمين بأي عمليات عنف أو تفجير في البلاد الأجنبية، التي يقيمون بها أو يزورونها حتى لو كانت حكوماتها في حالة حرب مع بلاد مسلمة، ويسمي ذلك غدراً وخيانة للإذن الذي أعطته لهم تلك الحكومات عن طريق تأشيرة الدخول (الفيزا). ويؤكد الكتاب في أكثر من قسم على التحريم التام للاعتداء على المدنيين وقتلهم سواء في البلاد المسلمة أو في البلاد الأجنبية وحتى في ظل حالة الحرب التي يرى أنها لا تجعل من ذلك الاعتداء حلالاً.
أما بالنسبة لما يجري داخل البلدان المسلمة، فالمؤلف ينهي عن الخروج على الحكام المسلمين بها وقتالهم، ويضرب مثلاً بمصر التي أدى خروج الجماعات الجهادية فيها إلى خسائر فادحة للمجتمع والدولة والجماعات نفسها. كما أن المؤلف يفرد قسماً خاصاً كيفية تعامل المسلمين مع أصحاب الديانات السماوية الأخرى في بلادهم، ويرى أن معيار المواطنة هو الذي أصبح اليوم ينظم العلاقات بين الطرفين في ظل عدم وجود دولة إسلامية، وهو يشدد على ضرورة التعامل مع أهل الكتاب بالحسنى ويجعل ذلك أحد شروط الإيمان بالإسلام نفسه ناهياً عن أي اعتداء عليهم معتبراً إياه من الذنوب الكبيرة. ويكتمل نقد الشيخ ورفضه لأفكار وممارسات فروع ومجموعات القاعدة بتقريره حكماً عاما بأنه "لا يجوز التعرض للمنتسبين للإسلام بسبب اختلاف المذهب"، واضعاً قتل الشيعة ضمن ذلك باعتباره واحدة من "البدع"، التي ظهرت في زماننا الحالي، وهو ما يعد اختلافاً جذرياً مع أفكار وممارسات القاعدة في العراق تحديداً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي