كيف يعمل الدماغ البشري؟
يتشكل الدماغ البشري من ثلاث: الدماغ السفلي ونشترك فيه مع الحيوانات الزاحفة، وفيه مراكز الحياة والبلع ونبض القلب والتنفس والجنس.
والقسم الثاني هو المخيخ وفيه مركز التوازن، ونشترك فيه مع الطيور والبهائم والسباع وعقبان السماء.
ولكن الدماغ الجديد New Cortex أي المخ هو ميزة الإنسان، ولقد نما كثيرا عبر الأحقاب المتطاولة، وتعد الفصوص الجبهية مركز الشخصية، والنضج والحكمة وضبط النفس.
ويختلف الدماغ الذي يشبه الجوزة بين شقيه؛ فالنصف الأيمن مسؤول عن الحدس والموسيقى والإبداع، أما الشق الأيسر فهو المسؤول عن الكلام والتحليل العقلي.
وقشرة المخ رقيقة بحدود ستة ملمترات ولونها رمادي، أي في حدود 0.50 سنتمتر؟ وتتكاثف فيها الخلايا العصبية، التي يطلق عليها النورنات وعددها كان سابقا في حدود 13 مليارا ولكن آخر الأبحاث تقفز بالرقم إلى مائة مليار وقد تزيد أكثر؟.
أما لب الدماغ فهو أبيض، وتمشي فيه الكابلات العصبية، بمليارات المليارات من الحبال العصبية الدقيقة، وهي مغطاة في الدماغ بغمد واحد، فإذا غادرت المخ غلفت مرتين بغمد شوان والنخاعين زيادة في الحيطة..
ويسبح الدماغ في سائل حلو، خلاف الدم الحامض، ومحتويات الأمعاء القلوية. وجاء في الأمثال العربية ما يفيد معرفة البدوي هذه الحقيقة فقد قتل أعرابيا آخر فوصف ضربة رأس غريمه بالسيف فقال: فلما ضربته بالسيف على هامه قال: قب!! فلما ذقت سيفي كان حلواً فعرفت أني قتلته؟
وهو يعني بعلم الطب الحديث أن نصل السيف كسر عظم الجمجمة وخرق المادة المخية واختلط بالسائل الدماغي الشوكي الحلو؟
والدماغ يعمل وحدة متكاملة، وهذا الترابط هو خلف الوعي والإدراك الذاتي. وحتى يعمل مع بعض؛ فهناك ارتباط بين النورنات.
والسيالة العصبية لها ميزتان؛ أنها تسري مثل الكهرباء عبر استطالات تخرج من جسم الخلية العصبية، ولكنها عند نقطة الاتصال تتفاعل مع الخلية الأخرى بطريقة كيمياوية، بواسطة أكثر من أربعين مادة كيمياوية، تم التعرف عيها حتى الآن، بما هو أعقد من اللغة الصينية والهيروغليفية.
وهكذا فنحن حينما نبصر أو نسمع أو ندرك؛ فإن هذا يتم بطريقتين كيمياوية وكهربية، والاتصالات بين الخلايا العصبية غير مفهوم حتى الآن، وربما ستحتاج الدراسات العصبية أكثر من ألف سنة، حتى تحل هذا اللغز الذي يزداد تعقيدا مع إماطة اللثام عن بعض أسراره.
وفي مونتريال اجتمع أكثر من 3500 عالم لتطوير مشروع جديد ينافس الجينوم السابق بكشف بروتينات الخلية. وتطوعت ألمانيا كعادتها في الدقة بالتنافس لأخذ سبق الكشف عن بروتينات الدماغ والنورون الواحد له أكثر من ألف ارتباط، وفي مكان محدد من منطقة عصبية محددة أخرى. فلنضرب رقم الاستطالات برقم الخلايا العصبية حتى نتصور طبيعة الكون الذي يحمله كل واحد منا داخل جمجمته؟
ومن خلايا بوركنج في المخيخ، يخرج أكثر من مائتي ألف ارتباط من الخلية الواحدة، وحتى يمكن استيعاب هذه الحقيقة فإن دماغ الدودة مثلا فيه 23 خلية عصبية (نورون Neuron) على ما ينقله الدكتور أنور حمدي في كتابه (الدماغ إبداع وإعجاز) أن إمكانات الاتصالات بين خلايا الدودة تحتاج إلى كمبيوتر متوسط السرعة، يحسب لمدة 13 مليون سنة،
فكيف بالنورونات في دماغ النملة وهي 250 خلية؟ أم دماغ النحلة وفيها 900 نورون؟
وإذا نقلنا هذا القياس إلى خلايا الدماغ البشري البالغ عددها 100 مليار؛ فلن ننهي مهمتنا عن إمكانات الاتصالات قبل 175 مليار مليون سنة لأن كمية الاتصالات تقفز فوق الجوجول.
وإذا كانت مدينة هونج كونج تعد من أكثر المناطق ازدحاما في العالم، حيث يبلغ طول الطرقات فيها 1465 كيلومترا في مساحة لا تتجاوز 1076 كيلومترا مربعا؛ فإن مساحة الدماغ البشري 2322 سنتمترا مربعا وطول المحاور الاسطوانية 100 ألف كيلومترا. فتبارك الله أحسن الخالقين. ثم إنكم بعد ذلك لمبعوثون.