قمة أوبك .. هل نرى بداية الرؤية المستقبلية للوطن

انتهاء قمة "أوبك" هذا اليوم وقبلها منتدى الطاقة منذ أشهر ومنتدى تنافسية الاستثمار بعد أسابيع .. هل تضعنا مركزا للمؤتمرات التخصصية التي قد ترتبط برؤيتنا المستقبلية؟ موضوع يذكرني بما سبق أن أشرت إليه في موضوع الرؤية المستقبلية للوطن وإمكانية أن تكون رؤيتنا المستقبلية هي أن نكون دولة تقنية الطاقة. فموضوع الرؤية المستقبلية موضوع مصيري ولكن الجميع يستسهله. ويعتقدون أن رؤيتنا المستقبلية هي أن نكون دولة الإنسانية أو ما وضعته وزارة التخطيط والاقتصاد من جملة عابرة وعامة شكلية أو ديباجة يكررها الجميع.
تقول الوزارة" سيكون الاقتصاد السعودي بحلول عام 2025م متنوعاً ومزدهراً يقوده القطاع الخاص ويوفر فرص عمل مجزية وتعليما عالي الجودة وعناية صحية فائقة، إضافة إلى المهارات اللازمة لرفاهية جميع المواطنين وحماية القيم الإسلامية وتراث المملكة الثقافي" فما الجديد؟ اقتصادنا اليوم متنوع ومزدهر ويقوده القطاع الخاص..!
من المستحيل أن تكون هذه فقط رؤيتنا المستقبلية. وأعتقد أن الرؤية المستقبلية يجب أن تكون أكثر تخصصا ومبنية على ما لدينا من ثروات وموارد مالية ومدخرات لتتناسب مع قدراتنا البشرية وتأهيلها. لقد نجحت إيرلندا في أن تكون متقدمة ومتميزة في مجال الاتصالات. ويشهد لها العالم بذلك. والهند القريبة منا أصبحت متميزة في مجال تقنية المعلومات والحاسوب. وأصبحوا لا يتنزلون للقدوم للعمل لدينا بعد أن أصبحت تتسابق عليهم أوروبا وأمريكا. ودبي جارتنا أصبحت متميزة بالسياحة وخدمات التجارة لتسيطر شركة موانئ دبي على كبريات موانئ العالم.
وضع الرؤية المستقبلية يجب أن يكون أدق، فنحن لدينا فرص كثيرة. كأن نكون مركزا حضاريا للإسلام. وهي فرصة سانحة ومع ذلك ضيعنا الطريق بعد أن هدانا الله. أو أن نكون دولة النفط وتقنياته، فقد حبانا الله بنعمة النفط وصناعة البتروكيماويات. ومع ذلك لم نجهز أنفسنا لتعليم أبنائنا تلك الصنعة وولدنا الجامعة اليتيمة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي لو لم تكن الشركات الأمريكية سببا لها لما حلمنا بها.
لقد شدني حديث خارج النص في لقاء وزير التجارة مع رجال الأعمال. حيث اتضح لي أن معاليه لديه رؤية وتفهم لمشكلات العمل والسعودة أكثر مما يتفهما وزير العمل. فمعاليه يرى أن السعودة يجب أن تتم بناء على ما لدينا من قدرات وما نصبو إليه من نظرة مستقبلية ليتم تأهيل وتدريب المواطنين في تخصصات تخدم الرؤية. وهو ما ناديت به قبل عامين في مقال عن "وزارة العمل وأعمدة السعودة الخمسة" ومقالات عن الرؤية المستقبلية. وإننا يجب أن نعرف مخزوننا من المؤهلين السعودين ونسعود بقدر ما لدينا منهم وفي الوقت نفسه نقوم بتدريب وتأهيل أبنائنا ليحلوا محل الأجانب تدريجياَ وحسب ما تحتاج إليه رؤيتنا المستقبلية. فإذا كانت رؤيتنا أن نكون دولة تقنية النفط أو الطاقة فإننا نتوج إليه لتأهيل جزء كبير من أبنائنا في هذا المجال مع حفظ حد الكفاية من الوظائف الأخرى. وقد يوفقنا الله حتى لتصدير كوادرنا الوطنية مستقبلاَ ليكونوا خبراء في مجال النفط والطاقة للدول التي ستدخل في هذا المجال. وأعتقد أن الوزيرين لو سمحت لهما ظروفهما بالتحادث مع بعضهما فإننا قد نحل معظم مشكلاتنا. فليت هذين الوزيرين يتقابلون ولو لساعة لحل المشكلة أم أنهما لا يلتقيان إلا في اجتماع مجلس الوزراء.
إذا أردنا أن يكون لدينا نظرة مستقبلية فإننا يجب أن نفصل مستقبلنا على هذا الأساس وأن نبدأ في السعودة والتأهيل للسعودة في المهن والمجالات التي تخدم هذه النظرة المستقبلية. فإذا أردنا أن نتميز في خدمات التنقيب عن النفط أو صناعاته أو تقنياته أو...، فإن التعليم والتدريب يحب أن يكون مكثفا في هذا المجال مع المحافظة على كفايتنا المعقولة للتخصصات والمهن الأخرى. فإذا أردنا أن نكون دولة تقنية الطاقة أو النفط فإننا يجب أن نصبح مركزا لها ولأكبر مؤتمر عالمي للطاقة نعرف به. وأن يتبع ذلك معارض ومؤتمرات متعددة يخصص كل منها لنوع معين من الطاقة وتقنياتها سواء البترولية أو النووية وأن تقام شهريا وبتناوب علمي ومحلي وأن تتنوع مواضيعها ومحاورها. فجميل أن نتميز ونختص بأن نكون أهل الطاقة وأن يشار إلينا عالميا بذلك. وهذا وحده بالطبع لا يكفي حيث لا بد لنا من التخطيط المسبق من الآن لتنمية وتوعية المجتمع السعودي للسير بخطى واضحة ومنحى مدروس لنصبح خبراء الطاقة وتقنيتها. وأن يشار إلينا بالبنان في هذا المجال. وأن تصبح جامعاتنا ومؤسساتنا وشركاتنا مقصد للأجانب ليتعلموا منا!
فهل يعقل أن نكون أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم ولا يشار إلينا أو ندعى كخبراء لمشكلات البترول عالميا. إن الطفرة الأخيرة للنفط تحتم علينا أن نتحسب لبناء الصناعة والمعرفة التقنية كمهنة نعرف بها حتى ولو نضب النفط. فالنفط يذهب والمال يذهب ولكن المهنة تبقى.
فنحن أهم الدول المصدّرة للنفط في العالم، ومع ذلك فإننا قد نكون أجهلهم معرفة بالنفط ومشتقاته من البنزين المرصص أو الخالي منه وأنواعه من الخفيف إلى الثقيل. فهل هذا من المعقول! دولة النفط التي من المفروض أن يشار إلى شعبها بالخبرة والسبق في البحث والتنقيب عن البترول وتكريره. والتي يجب أن يكون لديها من القدرات والمهارات والتأهيل لمواطنيها في هذا المجال ما يسد حاجة العالم. وهل معقول أننا لا نملك إلا شركة واحدة للبترول وهي يجب أن تخصص وتطرح غيرها شركات أخرى في هندسة الطاقة والنفط وتكريره وتصنيعه وتحويله إلى المنتجات الطرفية، مثل زيوت المحركات وأنواع الوقود المختلفة وتسويقه ونقله؟ وتكوين شركات تُدار بكوادر سعودية للبحث عن البترول والتنقيب وغيره. وأن يكون لدينا أكثر من مركز ومعهد وجامعة بترول ومعادن موزعة على أنحاء المملكة وأن تصبح جامعاتنا مركزا يبتعث العالم طلابه إلينا للدراسة والتدريب والحصول على الشهادات العليا. وهو أقل من المطلوب منا لخدمة مصدر رزقنا وثروتنا الأساسية.
هل غابت عنا آخر التجارب العالمية للدول التي حولنا وما تصيغه من الأسماء للرؤية المستقبلية. بدأت سنغافورة باسم "الفريدة"Uniqely Singapore لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل شركات تكنولوجيا الحاسوب وشبه الموصلات. ثم برزت المنافسة من ماليزيا باسم "آسيا الحقيقة"Truly Asia بينما رأت تايلاند أنها مختلفة، وأن مقوماتها للتنافس الصناعي صعبة ولكن لديها السياحة، فحاولت أن تكمل الحلقة لتسمى نفسها "السعادة على الأرض" Happyiness on Earth، حيث أصبح سكان سنغافورة وماليزيا يهربون إليها في الأعياد والإجازات كما نهرب نحن إلى دبي التي تحلم أن تكون سنغافورة الشرق الأوسط!
وما يستفاد من تلك التجارب هو أن صياغة الرؤية المستقبلية لدينا غير واضحة أو مرتبطه بالتنمية الإقليمية والاستراتيجية والتنمية المتزنة والمستدامة. وأن نجاحها لن يتم إلا بتوعية المواطن وبعض المسؤولين حضارياً لوضع رؤية مستقبلية مبنية على أسس وخطط وبدائل استراتيجية للنمو المستقبلي لكل حقبة زمنية مقبلة، يكون لكل منها اسم نصبو إليه يعكس الأهداف المرجوة لتلك الحقبة. وإنه من الأفضل أن نقترح ما نحلم أن تكون رؤيتنا المستقبلية ثم نحاول أن نصل إليها، وأن نحاول الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في رؤيتها. وأن نحكم الواقعية التي تحتم علينا أن نعرف مَن نحن وماذا لدينا من مقومات وإمكانات يمكن صقلها لمعرفة ما هي صالحة له ومن ثم نتوجه إلى ذلك! مع محاولة إعادة الحسابات والخطط دوريا وتعديل الوضع لتتمشى الرؤية مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية دوليا ومحليا. وفي كلتا الحالتين فإن الفرق بين الرؤية والحلم أن الرؤية يمكن تحقيقها ولكن الحلم يبقى حلما. وهما اتجاهان مختلفان عن اسم الرؤية أو الديباجة المستهلكة مثل دولة الإنسانية أو الشهامة أو العز، والتي هي قيم مسلم بها كجزء يفرضه ديننا وعقيدتنا . فدولة الإنسانية أو الشهامة أو الكرم ليست ملكاً لنا وإنما الجميع يرى أنه يمتلك هذا الاسم. وألا نوهم أنفسنا بأننا سنكون متميزين في كل شيء لأن من أراد كل شيء ترك كل شيء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي