لماذا قرر الإخوان تأسيس حزب سياسي في مصر؟

[email protected]

أثار مشروع برنامج الحزب السياسي الذي تعتزم جماعة الإخوان المسلمين في مصر تأسيسه حملة واسعة من الانتقادات من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية المصرية سواء للبرنامج ككل أو لبعض مما ورد فيه من نقاط واقتراحات أو حتى للجماعة نفسها بكل أبعادها الفكرية والسياسية. وقد بدا قيام الجماعة بتوزيع نسخ محدودة من مشروع البرنامج على مجموعة من الكتاب والباحثين والسياسيين المصريين بمثابة مناسبة جديدة لتفاعل النخبة السياسية المصرية معها وتوجيه أعداد هائلة من الأسئلة إليها والانتقادات الحادة إلى ما تتبناه من سياسات وتوجهات فكرية وعملية، وذلك منذ انشغال الجدال العام في مصر بكل ما يتعلق بالجماعة بعد نجاحها في الحصول على خمسة مقاعد مجلس الشعب في انتخابات 2005 للمرة الأولى في تاريخها وفي تاريخ البرلمان المصري على حد سواء. وقد زاد اشتعال هذا الجدال العام حول الجماعة قبل هذه المرة الأخيرة حول مشروع برنامج حزبها مرتين، كانت الأولى في كانون الأول (ديسمبر) 2006 عندما اتهم بعض طلاب الإخوان في جامعة الأزهر بتنظيم عرض شبه عسكري في حرم الجامعة مما طرح تساؤلات وانتقادات وتخوفات واسعة حول حقيقة موقف الجماعة من استخدام العنف في المجتمع والساحة السياسية. وكانت المرة الثانية في الأشهر الأولى من عام 2007 عندما طرح الرئيس حسني مبارك تصوره لتعديل 34 مادة من الدستور المصري من بينها مواد تتعلق بوضع الجماعة السياسي والقانوني وأنشطتها في المجتمع، حيث بدا واضحاً سعي النظام السياسي المصري للمرة الأولى منذ عام 1954 لاستبعاد الجماعة ليس فقط من الوجود القانوني بل أيضاً من الوجود الواقعي الذي تمتعت به طوال هذه الفترة في المجتمع والساحة السياسية.
كانت تلك التطورات الحديثة المتعلقة بجماعة الإخوان في مصر ذات علاقة وثيقة بمشروع برنامج الحزب المطروح منها، بل أكثر من ذلك بإعلان الجماعة عن نيتها تأسيس حزب سياسي على لسان مرشدها العام محمد مهدي عاكف في منتصف كانون الثاني (يناير) 2007. فعلى الرغم من أن الجماعة أعلنت عن نيتها تأسيس حزب سياسي يعبر عنها عدة مرات خلال العقدين السابقين فضلاً عن محاولات عملية جزئية لم تكتمل أبداً، فقد كان إعلان مرشدها العام بنفسه عن سعيها لإنشاء الحزب الجديد يعبر هذه المرة عن توجه استراتيجي جديد لها يختلف عما سبق أن اتبعته خلال الأعوام الثمانين التي عاشتها منذ تأسيسها عام 1928. وقد تباينت التفسيرات لدوافع هذا التغير الاستراتيجي، إلا أن الأكثر ترجيحاً هو أنه أتى ضمن محاولة كل من الدولة والجماعة إعادة صياغة المعادلة التي قامت عليها علاقتهما منذ محاولة بعض أعضاء التنظيم الخاص بها اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954. فمن جانب النظام السياسي برؤسائه الثلاثة المتعاقبين، كان هناك توجه دائم بعدم الموافقة في أي وقت وتحت أي ظروف على منح جماعة الإخوان الشرعية القانونية التي ظلت تطمح إليها بعد صدور قرار بحظرها عام 1954، إلا أنه في الوقت نفسه ظلت الدولة المصرية خلال العهود الثلاثة غير ساعية إلى القيام بتصفية واستئصال الجماعة من المجتمع المصري، بل سمحت لها في معظم الأحيان بالوجود الواقعي في مساحات مختلفة من المجتمع السياسي والمدني بما فيها الدولة نفسها. وفي المقابل من الواضح أن الجماعة قبلت الوجود الواقعي وألا تبحث جدياً عن الاعتراف القانوني بها مع التأكيد من حين لآخر على مشروعية هذا الوجود شعبياً وتاريخياً وليس قانونياً. ومن جانب ثان، التزم الإخوان فكرياً وواقعياً بعدم اللجوء إلى العنف في تحركهم المجتمعي أو عملهم السياسي واستبعاد أي تفكير مغامر بالانقضاض على الدولة كما فعل قطاع صغير منهم عام 1954.
التغيير الذي طرأ على هذه المعادلة بمكوناتها الرئيسية الذي بدأته الدولة هو الذي يفسر سعي "الإخوان" إلى تغيير استراتيجيتهم والإعلان عن نيتهم تأسيس حزب سياسي. فقد بدا واضحاً أن التعديلات الدستورية التي أجراها النظام السياسي في آذار (مارس) 2007 كانت تهدف إلى وضع قواعد جديدة للنظام السياسي والعمل السياسي في البلاد في المستقبل، بما في ذلك "إقصاء" الإخوان المسلمين ليس فقط من العمل الحزبي القانوني بمنعهم من تأسيس حزب سياسي بحجة أنه سيكون حزباً دينياً، بل أيضاً من النشاط السياسي في المجتمع بحجة أنه مختلط بالنشاط الديني. وقد تكفلت المادة الخامسة المعدلة من الدستور بوضع الأساس الدستوري لهذا الإقصاء القانوني والواقعي لـ "الإخوان"، بينما تكفلت المواد الأخرى بفتح الباب أمام استبعادهم من أية مشاركة مستقبلية في الانتخابات العامة في مصر. إزاء هذا التغيير الاستراتيجي في توجهات الدولة التقليدية ضمن المعادلة المستقرة منذ عام 1954، قرر الإخوان من جانبهم تغيير توجهاتهم القديمة أيضاً. وضمن هذا التغيير أتى قرار الجماعة لأول مرة منذ حلها في هذا العام بالسعي إلى تحويل وجودهم الواقعي المسموح به وفق المعادلة القديمة مع النظام إلى وجود قانوني يتخذ شكل الحزب السياسي. ومن المرجح هنا أن العامل الرئيسي الذي دفع الجماعة إلى تلك المطالبة بالحزب السياسي هو شعورها بأن الصياغة الجديدة للنظام السياسي كله عبر التعديلات الدستورية تستلزم تشكيل ذلك الحزب وإلا ستواجه الجماعة خطر الإبعاد إن لم يكن الإقصاء عن المجتمع والساحة السياسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي