آه يا المعلمـات !

[email protected]

اليوم سأورد لكم وصفاً لحال أغلب المعلمات عندنا مقارنة بحال آخريات من حولنا وأقصد بحولنا دول الخليج ثم باقي دول العالـم متمنية ألا يكون الخصم هو الحكم (وآه يا المعلمات !). فمثلاً المعلمة عندهم تغرد كعصفور طليق يبدع في تنشئة العقول وغرس القيم بينما المعلمة عندنا فقدت جزءًا من إيمانها وقناعتها بمهنة التعليم من كثرة الضغوط والصعوبات.
- المعلمة عندهم ترفل في ثوب الأمان والسعادة لأن التدرج الوظيفي مخطط له بينما المعلمة عندنا بين نار المعاناة المادية لأنها على مستوى وظيفي أقل، وبين جحيم المسؤوليات المتكدسة ومزاجية المشرفات واحتياجات سعادة المديرة التي لا تنتهي !
- المعلمة عندهم حاصلة على رخصة ممارسة مهنة وتجدد لها عند إثبات الكفاية والمهارة، بينما مهنة التدريس عندنا حُكم مؤبد وخدمة سنة واحدة مكررة سنوات فالراتب غير مرتبط بمستوى الأداء !
- المعلمة عندهم ترقى السلم الوظيفي فيخفف نصاب الحصص لتقوم بأعباء أخرى بينما المعلمة عندنا 24 حصـة و(50 طالبة في الفصل) و7 مناهج ومبنى بـه 4 أدوار بلا مصاعد ومطلوب منها الإبداع !
- المعلمة عندهم تُمنح بدل سكن وتأمين صحي لها ولأولادها ولزوجها بينما المعلمة عندنا (أنا ومن بعدي الطوفان) تتحايل وتتلاعب لتحصل على تقارير مرضية وإجازات رعاية مولود وليذهب العجز وتعطل المنهج إلى الجحيم !
- المعلمة عندهم تحظى بالاحترام والتبجيل كونها تسهم في صناعة جيل المستقبل بينما المعلمة عندنا أفقدت التعليم هيبته وأضاعت مكانتها لأنها دوماً (مضغوطة) والناتج ألفاظ خارجة وعقد نفسية تغرسها في الطالبات!
- المعلمة عندهم تُعيّن في المكان الذي تختاره وفق مؤهلاتها ومهاراتها الفعلية أما عندنا فتُعين بجوار بيتهـا إذا كان لديها (واسطة) وفي قرى الربع الخالي إذا كانت (محظوظة)!
- المعلمة عندهم عضو في جمعية أو نقابة ويسمع صوتها ومطالبها بينما المعلمة عندنا تموت كالنخل واقفة ولا يحصل أولادها على تقاعدها !

لا شك أني إذا استرسلت فسأملأ صفحات الجريدة بأكملها. فواقع التعليم في بلادنا يكرّس دور المعلم كمسيطر وملقِّن ومصدر وحيد للمعلومات، يستخدم مناهج تقليدية وكتبا موحدة تُخرِّج أفراداً يلتزمون بحرفية القواعد واللوائح. بيد أن مشروع الملك عبدالله - حفظه الله ورعاه - لتطوير التعليم والمليارات التسعة المرصودة لتحقيقه في 6 سنوات مقبلة، يعلن بداية نهاية هذا النمط من التعليم لأنه سيقضي على العزلة الاجتماعية التي تنفرد بها وزارة التربية بلا منازع. فالتعليم المناسب للمستقبل يتطلب الانفتاح على الثقافات العالمية وتبادل المعرفة، وهو مسؤولية مجتمعية مشتركة لأن المدرسة جزء رئيس من شبكة مؤسسات مجتمعية فاعلة. إلا أن مشروعاً بهذا الحجم يحتاج إلى عناصر منفتحة متطورة ذات جدارة تتوافر لها مستويات عالية من التدريب مع تهيئة البيئة المناسبة. فالمباني المدرسية (حدِّث ولا حرج) غير مهيأة للتكنولوجيا الحديثة بالمرّة. التطوير (يا سعادة المسؤولين) يتطلب تغيير الأدمغة وتبديل التوجهات وتجنيب المصالح الشخصية. ويحتاج حتماً إلى دماء شابة متخصصة ومتمكنة لأنه يستحيل على عقول تقليدية تستهلك التقنية، التحول جذرياً لتطبيقها بحِرَفية دون مقاومة للتغيير أو إشاعة السلبية والإحباط.

الحل المقترح هو استقطاب آلاف الخريجين والخريجات الجدد وإخضاعهم لبرامج تأهيلية مكثفة، وبعد اجتياز تقييم شامل للقدرات يعين المجتازون على مستويات وظيفية يستحقونها. وفي المقابل يفتح الباب لمن يرغب من الخبرات القديمة في التعليم (مافوق 15 عاماً) بالتقاعد المبكر مع صرف تعويضات مجزية ومكافآت نهاية الخدمة. وبالتالي ستوجد وظائف للجيل الجديد المؤهل والمدرب من المعلمين والمعلمات وبرواتب أقل لا ترهق كاهل الدولة.
وإذا كان من حقنا أن نلوم المتسببين فسنبدأ بلوم التضخم المتزايد، ثم نكمل بالتكدس السكاني الذي حوّل الفصول الدراسية إلى علب سردين بلا زيت أو ليمون ! وسنلوم وزارة التخطيط، التي فوجئت بمعدل الولادات بين ليلة وضحاها فلم تستعد بالخطط الخمسية؟ وسنعاتب وزارة التربية والتعليم التي ترهق كاهل المعلم والمشرف بما لا يطيق وعليه أن يسكت ويتحمل ! وسنلوم مؤسسات التعليم العالي وكليات المعلمين التي تُخرِّج أفراداً لا ينتمون إلى حقل التعليم بتاتاً ! وسنعاتب وزارة المالية التي لم تخصص ميزانية للوظائف التعليمية رغم العجز الصريح ! وسيطول العتب أيضاً ديوان الخدمة المدنية الذي لم يسد الاحتياج من الوظائف التعليمية ؟ وقد نلوم نيلسون مانديلا على صمته والدلاي لاما لخروجه من المدينة المحرمة وكارين هيوز لاستقالتها ...والقائمة ستطول ...

الأمر محيرٌ فعلاً، فاقتصادنا في نماء وبلادنا من مصافي الدول الجاذبة للاستثمار ولدينا طاقات شابة تتسرب لتدرس وتعمل بالخارج. والمشاريع تتوالى تترى .. إذا أين الخلل ؟ أريد إجابات فقد تعبنا من الأسئلة ! الحلول حتماً آتية، لكني كغيري أتمنى ألا تكون على ظهر سلحفاة...؟ اللهم أفرغ على معلماتنا ومعلمينا (المخلص منهم) الصبر والثبات إنك أنت السميع المجيب .
دمتم بلا آهات ..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي