معضلة الاتحاد النقدي الخليجي
لم يكن مفاجئا للمراقبين نتائج اجتماعات الدورة رقم 64 للجنة المالية والاقتصادية على مستوى وزراء المالية والاقتصاد ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية والتي عقدت أخيرا في مدينة جدة في السعودية. من بين جملة الأمور كان المطلوب من المجتمعين اتخاذ قرار بشأن مشروع الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون الخليجي والمزمع إطلاقه عام 2010 أو تأخيره لموعد لاحق.
بيد أنه قرر المجتمعون تحويل القرار النهائي للقمة الثامنة والعشرين المزمع عقدها في نهاية العام الجاري. يشار إلى أن القمة السابعة والعشرين (أو قمة جابر تخليدا لذكرى أمير الكويت الراحل) والتي عقدت في الرياض نهاية عام 2006 أكدت تطبيق المشروع الطموح. وعلى هذا الأساس كلفت القمة السابقة وزراء المالية والاقتصاد ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية باستكمال بحث معايير تقارب الأداء الاقتصادي والنسب المتعلقة بها. وعليه فإن قرار التأجيل يجب أن يتخذ من قبل قادة دول المجلس وليس من وزراء المالية والاقتصاد ومحافظي البنوك المركزية.
موضوع ربط العملات
تكمن المشكلة الرئيسية في قرب موعد تطبيق المشروع الطموح في الوقت الذي لم يتم اتخاذ قرار بشأن مسألة ربط عملات دول المجلس بالدولار الأمريكي أو سلة عملات أو ترتيب آخر. المعروف أن الكويت هي الوحيدة بين دول المجلس التي تتبنى سياسة مالية مختلفة، حيث قررت في أيار (مايو) الماضي فك ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي واستبداله بسلة من العملات تشمل الدولار ولكن لا تقتصر عليه. وقد أقدمت الكويت على هذه الخطوة على خلفية عدم ظهور دلائل تشير إلى انتهاء حالة تراجع قيمة الدولار. يتسبب هبوط الدولار في استيراد التضخم نظرا لجلب واردات من دول ارتفعت قيمة عملاتها مقابل الدولار. والإشارة هنا إلى الواردات من دول منطقة اليورو واليابان وبريطانيا وغيرها.
حقيقة القول قد ارتفعت قيمة العملة الكويتية بشكل مطرد في الشهور الخمسة الماضية نظرا لاستمرار تراجع قيمة الدولار في الأسواق العالمية. وكانت السلطات قد وافقت على إجراء ارتفاع آخر في قيمة الدينار، حيث بلغت 0.27875 دينار للدولار الواحد في الأسبوع الماضي مقابل 0.28025 دينار للدولار في منتصف الشهر الماضي.
شروط الاتحاد النقدي
كما لا بد من ربط موضوع تنفيذ المشروع الطموح بالشروط الصعبة نسبيا. تتثمل المعايير بتقييد الدين العام بنسبة 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما على الدول التأكد من عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المائة. كما ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى ثلاث دول زائد 2 في المائة. أخيرا المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة أربعة أشهر.
حسب المعلومات المتوافرة لا تعاني عمان (وهي الوحيدة من بين دول المجلس التي قررت عدم الانضمام للمشروع) أي مشكلة في الالتزام بالشروط المطلوبة في الوقت الحاضر. على سبيل المثال, تحتفظ عمان باحتياطي يزيد على قيمة واردات لفترة خمسة أشهر ونصف الشهر. بل على العكس تواجه قطر صعوبة في التقييد بمسألة الضخامة, والتي تقدر بنحو 10 في المائة وذلك على خلفية النمو السريع لاقتصادها الوطني. بدورها تعاني البحرين معضلة الاحتفاظ بالاحتياطي المطلوب (غطي حجم الاحتياطي في عام 2006 قيمة الواردات لأكثر من ثلاثة أشهر لكن أقل من أربعة أشهر.
مواكبة الدولار
وكان لافتا دعوة مدير صندوق النقد الدولي السابق (رودريجو راتو) بضرورة انتهاج دول التعاون سياسة نقدية تواكب ربط العملات بالدولار. بمعنى آخر, المطلوب من الدول التي تربط عملتها الوطنية بالدولار مواكبة التطورات في السوق الأمريكية من حيث ارتفاع أو انخفاض معدلات الفائدة. يشار إلى أن الفرنسي (دومنياك ستراس كان) تولى مدير صندوق النقد الدولي منذ بداية الشهر الجاري خلفا للإسباني (راتو).
وكان بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي قد قرر في أيلول (سبتمبر) الماضي تقليص معدل الفائدة للتمويل بين المصارف من 5.25 في المائة إلى 4.75 في المائة. تخص هذه الفائدة ما تفرضه البنوك من بعضها عند اقتراض مبالغ لمدة ليلة واحدة مستفيدة في الغالب من الاختلاف في التوقيت بين الدول مثل الولايات المتحدة واليابان. وعكس قرار البنك المركزي الرغبة في تحاشي حدوث تراجع في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة على خلفية أزمة الرهن العقاري التي ظهرت للسطح أثناء فصل الصيف. ويعني التطور استعداد البنك المركزي لتوفير خطوط ائتمان للمصارف الأمريكية بنسبة فائدة أقل من الماضي ما يعني أن بمقدور البنوك توفير الأموال بتكلفة أقل للجمهور.
وعلى الفور, قررت كل من الإمارات وقطر إلى جانب الكويت تخفيض معدلات الفائدة. بالمقابل تحاشت الدول الأخرى تخفيض أسعار الفائدة خشية تعقيد مشكلة التضخم. المؤكد أن الشهور المقبلة حبلى بالتطورات بسبب انخفاض قيمة الدولار.