هرولة نحو المجهول
أطلقت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية دعوة لعقد اجتماع دولي بشأن الشرق الأوسط خلال الخريف المقبل, وقد اختلف من البداية في اسمه, فهل هو اجتماع دولي أو مؤتمر دولي, وبالطبع لا أحد يعرف من المعنيين بالأمر خاصة العرب, أما من يعتقد بمعرفته فيما إذا كان اجتماعاً أم مؤتمراً فهو الولايات المتحدة وإسرائيل التي سيعقد هذا اللقاء من أجل سواد عيونها. الرئيس بوش عندما أعلن عن الاجتماع جعل الأمر غامضاً في الهدف منه أو في مواضيعه وأجندته التي ستناقش فيه, وهل هو بهدف السعي لإيجاد حل لمشكلة فلسطين والفلسطينيين القائمة منذ عقود وبدعم من الغرب وأمريكا بشكل خاص للعدو الصهيوني, أم أنه بهدف تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي لا أحد يعرف ماهيته وشكله وأهدافه عدا ساسة أمريكا مع يقيننا أنه لن يكون إلا في خدمة المصالح الأمريكية والصهيونية.
ردود الفعل التي صدرت بعد إطلاق الرئيس بوش دعوته هذه جاءت من رئيس وزراء العدو الصهيوني إيهود أولمرت حيث سارع إلى القول إن الاجتماع لقاء عام يصدر عنه بيان عام قابل للتفاوض والحوار ولا تترتب عليه أي قرارات ملزمة. وفي ظني أن أولمرت رسم هدف المؤتمر أو الاجتماع أيا كان وأفرغه من مضمونه الذي ربما كان يتمناه العرب, أما الأجندة الخفية والتي تهدف إليها الولايات المتحدة فهذه قد لا تتضح الآن بل وربما لا تتضح إلا بعد فترة من انعقاد الاجتماع الذي - وكما قلت - ستوظفه أمريكا لخدمة مصالحها في المنطقة.
وإذا كان الموقف السياسي للكيان الصهيوني كما سبق الإشارة, فإن الموقف العلمي يتمثل في الإعلان الذي صدر على لسان خارجية الكيان الصهيوني وبحضور وزيرة الخارجية الأمريكية حيث اعتبرت قطاع غزة كيانا معاديا وحذت أمريكا حذو إسرائيل في هذا الشأن مما يترتب عليه حرمان القطاع من الماء والكهرباء والغذاء. وقد اتبعت هذا البيان بقصف واجتياح وقتل للفلسطينيين, كما تم اجتياح بيت حانون وأسفر عن الاجتياح عشرات القتلى والجرحى وتدمير المنازل على رؤوس أهلها.
عمل تبريري هو رد الفعل الذي أجابت به إسرائيل على الدعوة ورسالة واضحة لا مراء تؤكد النهج الواضح الذي سار عليه الكيان الصهيوني منذ أن اغتصبت فلسطين ولسان حال سياسييه يقول وجدنا في هذا المكان لنبقى ولن نرحل والأرض لنا وحدنا.
خلط الأوراق وتبادل الأدوار سياسة سار عليها هذا الكيان وهذا من حقهم فهم يخدمون مصالحهم وأهدافهم, وها هو يمارسها حيث بدأ الحديث عن أحياء عربية في القدس الشرقية تشرف عليها السلطة الفلسطينية, أما الأماكن المقدسة فتخضع لإشراف مزدوج تحت مظلة الأمم المتحدة, وفي مثل هذا الطرح رسم لما يجب أن يكون عليه المؤتمر وكيف يجب أن ينتهي وبما يخدم مصالح إسرائيل وأمريكا في المنطقة.
ردود الفعل العربية إزاء دعوة بوش لاجتماع الخريف المقبل خاصة الدول الرئيسية مثل مصر والسعودية والأردن تفاوتت، حيث أبدت مصر استعدادها لحضور الاجتماع دون قيد أو شرط أي أن القيادة المصرية أعطت موافقة مفتوحة بغض النظر عن ما سيناقشه المؤتمر أو ينتهي إليه, أما الأردن فقد أبدى استعداده لحضور المؤتمر شريطة معرفة جدول الأعمال, أما السعودية فموقفها هو عدم إمكانية حضور اجتماع غامض ولا تعرف المواضيع التي ستناقش فيه, وفي حال الإفصاح عن أجندة الاجتماع يمكن تحديد الموقف بشأنه بعد ذلك.
الفلسطينيون وهم المعنيون أكثر بهذا المؤتمر انقسموا بشأنه فرئيس السلطة محمود عباس أبدى استعداده لحضور الاجتماع وتفاءل كثيراً بشأنه حيث يرى كما ورد في خطابه في هيئة الأمم المتحدة إمكانية الوصول إلى اتفاق مع الإسرائيليين خلال الأشهر المقبلة وبعيد المؤتمر, وكأني به في هذا الموقف ينسى أو يتناسى الحيل والألاعيب الصهيونية, وينكر خاصية أساسية من خصائص اليهود ألا وهي النكث بالوعود. ويكفي أن نراجع الوعود والاتفاقيات التي وقعت بين الفلسطينيين والعرب من جانب واليهود في فلسطين من جانب آخر وتنكروا ونفوها وراء ظهورهم. أما الفريق الثاني من الفلسطينيين فهم من عبرت عنهم الحكومة المقالة إذ دعت العرب إلى عدم حضور المؤتمر والذي لن يكون خيراً من ما سبقه من اجتماعات ومؤتمرات إن لم يكن أسوأها. سورية اشترطت لحضور المؤتمر تحديد مرجعيات المؤتمر وأهدافه وإدراج موضوع الجولان ضمن أجندته.
ترى ما الذي يدعو أمريكا لإطلاق الدعوة للاجتماع؟ الإدارة الأمريكية الحالية راحلة عن البيت الأبيض ويهمها في هذا الوقت بالذات أن تحقق بعض المكاسب في الداخل الأمريكي لتعويض الحزب الجمهوري شيئاً من خسائره التي خسرها بسبب حروبه العدوانية في كل من العراق وأفغانستان, وما الاهتمام بشأن دارفور إلا في هذا السياق لإظهار الوجه الإنساني لأمريكا وحرصها المزيف على حقوق الإنسان بهدف صرف الأنظار عن جرائمها بحق الإنسانية في هذين البلدين وغيرها من بلدان العالم. كما أن ما تضمره أمريكا من مفاجآت قد تظهرها أثناء الاجتماع قد يكون أسوأ مما نتوقع خاصة أن الحلم الأمريكي في تجزئة المنطقة وتقسيمها إلى دويلات عرقية, ودينية, ومذهبية حتى يسهل التهامها وسلب خيراتها بعد أن يتم إلهاء أهلها بحروب فيما بينهم. وليس من المستبعد أن ما طرحه جوزف بايدن بشأن تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث كردية وشيعية وسنية يندرج في هذا الإطار وفي هذه السياسة التي تخطط لها الولايات المتحدة.
إن عدم تحديد أجندة واضحة للاجتماع وردود فعل إسرائيل السياسية والعسكرية, ومشروع بايدن في الكونجرس والذي اتخذ بموجبه قراراً غير ملزم للبيت الأبيض لتقسيم العراق كلها عوامل تسعى من خلالها أمريكا للضغط نفسياً على العرب, إذ ما المانع من أن تحدد جدولاً وتعلنه لإرضاء العرب الذين اشترطوا معرفة ما سيناقشه المؤتمر؟ وما الذي يمنع أن توقف إسرائيل قتلها وتدميرها لفترة مؤقتة؟ وفي هذين الفعلين إشعار للشارع العربي أن متطلباتكم تحققت, وعليه لا داعي من للرفض أو الممانعة من المشاركة في هذا الاجتماع.
إن قدرتنا على خدمة مصالحنا بصورة حقيقية تتحقق عندما نعرف الآخر معرفة حقيقية ونتعامل معه على هذا الأساس, ولا يغيب عنا مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو واجتماعات شرم الشيخ والعقبة إذ إنها لم تسفر عن شيء لصالح العرب. أمريكا لها خططها ومشاريعها واستراتيجيتها في المنطقة والتي تخدم في المقام الأول مصالحها وحلفاءها وتنسجم مع قيمها وثقافتها. وبهذا الوعي وهذا الإدراك يفترض أن تكون تصرفاتنا وسياساتنا مع الأخذ في الاعتبار أن شعوب المنطقة رصيد لا يستهان به متى ما أعطيت الفرصة للمشاركة وقدرت حق قدرها بدلاً من مطاردتها والتضييق عليها وزجها في السجون.