هل يحق لي أن أخاف ؟
خلال القرون الخمسة أو الستة الماضية أو ما أستطيع تسميته بالقرون المظلمة قياسا بما وصلنا عنها من أخبار وما دون خلالها من أحداث لم يكن هناك سوى النزر البسيط من المصادر التاريخية التي رصدت أحوال شبه الجزيرة العربية ودونت أحداثها بإسهاب مفيد، ومن تلك المصادر ما أوردته باختصار مخل في بعض الأحيان كتب التاريخ المعروفة مثل تاريخ ابن بشر وابن عيسى وغيرهم، وكذلك ما ذكره بعض الرحالة الغربيين الذين جالوا أنحاء الجزيرة العربية، وكانت تلك المصادر على قلتها واختصارها كافية لرصد الحالة التي كانت سائدة آنذاك، وجلها أحداث عصيبة طغت عليها الفتن التي يدرك المهتمون بالتاريخ أبعادها ويستشعرون عظمها.
وبعد أن وحد الله جل وعلا هذه البلاد على يد الملك عبد العزيز، رحمه الله، طويت صفحة لا يرغب أحد في ذكرها لا لأنها صفحة سوداء فقط ولكن لأنها لا تتوافق مع الأسس التي قامت عليها هذه البلاد، فقد كانت لهذا الملك الشجاع رؤية حصيفة وقراءة صحيحة لأحوال الجزيرة العربية قبل أن يوحدها، وعمل عظيم لنزع كل ما من شأنه إذكاء مشاعر القبلية والمناطقية التي يعلم، رحمه الله، أنها محرك للفتن إذا ما أساء استخدامها بعد أن وحدها.
من هنا فقد أعطى جميع القبائل في المملكة وسكان مناطقها الاهتمام الذي يليق بهم وساوى بينهم وعدل وبشر بروح جديدة غير تلك السائدة التي أسهمت في نفخ الخلافات والنعرات وأقصد بها روح المواطنة والبلد الواحد القائم على العدل والمساواة بين جميع أبنائه أينما كانوا وإلى أي قبيلة ينتمون.
شخصيا أحفظ لكل قبيلة عزة شأنها ومفاخرها وتاريخها لكنني اعتقد أن الانتماء للقبيلة ينبغي ألا يتجاوز الانتماء للوطن وهذا ما أعلم أنه شعور جميع أبناء هذا البلد منذ أن وحدت وحتى اليوم. وينبغي التشديد هنا على أن أكبر فتنة يمكن أن يواجهها العرب في أي مكان هي الفتن المذهبية والطائفية والقبلية ولنا عبرة بما يحدث في العراق الجريح ولبنان الكسير هذه الأيام، وهذا يدعونا جميعا مواطنين ومسؤولين إلى أن نكون على قدر المسؤولية وأن نحافظ على لحمتنا الوطنية في كل مكان وزمان حتى وأن دغدغت مشاعرنا مفاخر القبيلة وعزة شأنها وتاريخها، فلا ينبغي أبدا السماح لهذه المشاعر أن تطغى حتى لو كانت في أمور تبدو لنا للوهلة الأولى معتادة لكنها ربما، وأشدد على كلمة ربما، تسهم في بث هذه الروح التي لم تعد صالحة لهذا الزمان.
هذه مقدمة رغبت أن أسوقها قبل أن أعلق على مهرجانات مزايين الإبل التي ظهرت فجأة وربما يزداد عددها في الأيام أو الأشهر المقبلة لأنها من وجهة نظري تجاوزت حدود الرياضة وزحفت إلى دغدغة المشاعر وإثارة النعرات، فإذا كانت هذه المسابقة تحظى باهتمام مربي الإبل وملاكها، فلا بأس من إقامتها ولكن على أساس وطني أو فرز مناطقي لا على فرز قبلي، فالجمال هي الجمال مهما كان مالكها.
المهرجانات الحالية جمعت لها مبالغ كبيرة وأرسلت الوفود وشكلت لها اللجان وبدأ التفاخر بالتبرعات وتم التعاقد مع قنوات تلفزيونية وكأن الحدث أكبر من مجرد مسابقة للمزايين.
ما الذي يضير لو دمجت هذه المسابقات مع فعاليات مهرجان الجنادرية على أساس وطني لا قبلي؟ ولماذا كل هذه الأموال ؟ وهذا الزخم الإعلامي والتحشيد القبلي؟
أعلم أن لكل قبيلة أبلها التي تفاخر بها ولكن الأمر لا يحتمل كل هذا مع احترامي الشديد لجميع القبائل التي أقامت مهرجانات للمزايين أو التي ستقيمها، لأن لكل قبيلة مفاخرها مهما كان كبرها أو صغرها وأين كانت مساكنها شمالا أو جنوبا، شرقا أو غربا، فنحن نتحدث عن مئات القبائل لا واحدة أو اثنتين.
كل ما أرجوه أن يكون المهرجان الذي سيقام بعد العيد آخر مهرجانات المزايين على أساس قبلي وأن يكون الأمر منوطا بجهة تحدد معايير دقيقة لتلك المسابقات تستبعد كل ما من شأنه تحريك الراكد الممقوت وتعمل على إعلاء روح المواطنة التي لا أشك أبدا في تشرب نفوس السعوديين لها كافة، لأنني أخاف وأعتقد أن لي حقا أن أخاف.