هل سننسى الاهتمام بمساجدنا بعد رمضان؟
أفل رمضان وأقبل العيد وكأننا لا نعرف فضل المساجد إلا في شهر رمضان. فالكثير يخف حضوره أو الوقت الذي يمضيه في المسجد بعد رمضان. آمل أن أكون مخطئا ولكن هذه ظاهرة مشهودة. فشهر رمضان خير من ألف شهر ولكن ذلك لا يعني نسيان دور المسجد وأهميته في الأشهر الأخرى. وألا ننسى أن شهر رمضان لا ينتهي وأنه يزورنا كل عام. فيجب علينا أن نعمل على العناية والصيانة والاهتمام بالمساجد لحين قدوم رمضان مرة أخرى. وتلك العناية ليس المقصود منها صيانة الميكرفونات فقط وإنما الاعتناء بالنظافة والطهارة, التي هي أساس ديننا والتوزيع الصحيح والجيد لها بدلاَ من وجودها بكثرة في بعض الأحياء وندرتها في البعض الآخر. أو كثرة المكيفات في مسجد واحد وأكثر من حاجته بينما هناك مساجد تحتاج أو أحق بذلك. ثم الاهتمام بمظهر المسجد وتنسيق وتشجير ما حوله. وفهمنا المقصود بكلمة "إنما يعمر".
فقد قال تعالى في محكم كتابه "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين" صدق الله العظيم ( التوبة الآية 18). ولكن نرى اليوم أن هناك مفهوما خاطئا للآية الكريمة, فالإعمار ليس المقصود به بناء المساجد من الناحية الإنشائية والزخرفة والقباب فقط, وإنما إعمارها بجعلها تعمر وتعيش طويلاَ وتكون عامرة بالمصلين للعديد من السنوات المقبلة وذلك بالاهتمام بها والعناية بصيانتها ونظافتها ودورات المياه وعدم بناء مساجد ملاصقة لها لمنافستها أو مزاحمتها بالمساجد الأخرى, حيث إن ذلك أصبح يفرق جماعة المسلمين. وهو ما نراه اليوم من البناء العشوائي والمسيء للمساجد داخل الأحياء وبمواد بناء خطرة على المصلين من مواد الصفيح ومن دون احترام لشخصية المسجد ودوره الاجتماعي. وقد يكون نصب خيمة في حديقة الحي أجمل من تلك المباني الجاهزة من الصفيح وما يحتويه من حرارة مزعجة.
والإعمار له علاقة قوية بعملية التخطيط واختيار المواقع للمساجد وحساب المسافات التي تفصل بينها وتمكين المصلين من الوصول إليها بالراحة قبل بنائها بحيث تؤدي الغرض المطلوب منها بأفضل صورة لكي يعم نفعها الجميع. والمساجد لها تدرجها الهرمي والوظيفي, فهناك مساجد كبيرة جامعة تكون عادة في مركز المدينة وتقام فيها صلاة الجمعة والجنازة, علاوة على جميع الفروض وثم المساجد الجامعة في مركز الحي ثم المساجد الصغيرة على الأطراف. وكذلك هناك مساجد العيد والاستغاثة. وهذا التدرج مطلوب ومهم في عملية التنظيم والتخطيط لبناء المساجد واختيار أنسب المواقع لها.
وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بناء المساجد داخل الأحياء مبنية من مواد بناء رخيصة ولها خطورتها الإنشائية على المصلين سواء من البناء أو التمديدات الصحية والكهربائية التي ربما تؤدي إلى الحرائق. كما أنها نفذت بطريقة عشوائية ومن دون توازن في العدد أو التدرج والتنظيم وذلك بسبب عدم مراعاة المخططات البلدية لدائرة خدمة المسجد وأنسب المواقع له. فنجد بعض الأحياء مكتظة بالمساجد بينما يفتقدها البعض الآخر. وأصبح الفهم الصوري للإعمار وللآية القرآنية هو الغالب وكأنما القصد هو كثرة بناء المساجد بينما المقصود هو جعلها عامرة بكثرة المصلين لا أن تبنى مساجد منافسة لها وبذلك يقل إعمارها بالمصلين. والإعمار يكون بالتوفير في بعض التكاليف غير اللازمة مثل الزخرفة أو القباب العالية التي تشغل المصلين عن صلاتهم والاحتفاظ بهذا التوفير مستقبلاً لجعل المساجد عامرة بالمصلين والدارسين وذلك بتغطية نفقات ما بعد التأسيس من نظافة وصيانة وغيرهما.
وعلى النقيض فإن عملية بناء المساجد بصورة عشوائية وكثرتها في الحي الواحد قد تؤدي إلى تفرق الناس بدلاً من تجمعهم في مسجد واحد وأصبح كل حفنة من الناس لهم مصلى واحد قريب من منازلهم, وأصبح الإنسان لا يصلي مع جاره الملاصق من الجنب أو من الخلف ولا يعرفه. وكثرت عملية تداخل أصوات مكبرات الصوت وأصبحت النساء المؤمنات لا يستطعن سماع الخطبة أو الأحاديث بسبب تداخل الأصوات. فلمصلحة من هذا التعنت والإصرار على تشويه هذه الخطب؟ وكذلك الحال بالنسبة لإمام المسجد فقد أصبح لا يستطيع التركيز في القراءة أو التلاوة بسبب هذا التداخل في الأصوات لدرجة أن بعض المصلين يركع أو يسجد خلافاً للمصلين معه بسبب سماع تكبيرة الإمام في مسجد آخر.
ومن هذا المنطلق فإنه لا بد من الاهتمام بكيان المسجد وأهميته وإيجاد الحلول التخطيطية لإبراز دوره الاجتماعي والتخطيط لاختيار المواقع التي تجمع أكثر ما تستطيع من المصلين بحيث تكون فعلاً جامعة وعامرة وتدر المنفعة العامة للمسلمين. وأن يتم احترام دور المسجد بوضع معايير تخطيطية وتصميمية جيدة تحفظ للمسجد كرامته وشخصيته وبتوزيع متدرج على الأحياء السكنية ومتناسب مع الكثافات السكانية لكل حي.
إنه من الواجب أن يتم تسخير بعض الأبحاث العلمية لدراسة مواد البناء التي تخدم التوفير في بناء وتشغيل وصيانة المساجد, وأن تكون هناك لجنة متخصصة في الموافقة على التصاميم أو وضع تصاميم نموذجية للبناء بدلاً من التشويه الذي نراه اليوم لعمارة المساجد. مع إعطاء اهتمام أكبر بعناصر المسجد وخاصة ما نلاحظه من تشويه وعدم تناسق لمنارات المساجد مع الطابع العمراني والإسلامي للمدينة.
والتوفير الحاصل في بناء المساجد يجب أن يخصص لعملية النظافة والصيانة, حيث إن أغلب مرافق المساجد وخاصة دورات المياه تكون دائماً مهملة وتنبعث منها روائح تؤذي المصلين, وتترك صنابير المياه والبرادات والأنوار مفتوحة ولا يدركون أهمية حفظ أموال المسجد والمسلمين.
ومن منطلق الحرص على الوصول إلى حلول تخطيطية وعمرانية للمساجد فإنني ما زلت أرى أن العودة إلى التخطيط الإسلامي للحي هو أنسب الحلول وذلك بجعل المسجد الجامع في وسط الحي وإعطائه احترامه بإقفال الشوارع المحيطه به ما أمكن وتوفير ساحة كبيرة تحيط به ومظلات مع تشجيرها بالنخيل المثمر الذي يمكن التبرع به للمحتاجين وتنسيقها وإمكانية السماح لبعض الخدمات الضرورية مثل بقالة صغيرة توفر الاحتياجات الضرورية والتعاون مع مصلحة البريد لوضع صناديق بريدية للسكان يقوم بإدارتها وصيانتها بعض المسنين أو المتقاعدين وفق مكافأة معقولة كتوفير فرص رزق لهم وتنشيطهم. وأن يتم إبداء اهتمام أكبر بعملية العناية بالمسجد ونظافة مرافقه وأن يخصص جزء من تبرعات المسلمين لذلك. وإلى تنوير الناس بالوقوف بسياراتهم بطريقة منظمة حول المساجد تعكس شخصية المؤمن القوي وتحضره ومن دون أن يقفلوا الطريق على السيارات التي فيها نساء مؤمنات قادمات للصلاة من منازلهن ويفاجأن بالطرق المسدودة بالسيارات المزاحمة للمسجد والطريق وتسد الطريق عليهن. وما الذي يمنع الإنسان من إماطة الأذى عن أخيه المسلم وأن يقف ولو بعيداً عن المسجد فإن كل خطوة إضافية للمسجد تعد صدقة ورياضة. كما آمل أن يتم الاهتمام بمظهر وتصميم المسجد وتكامل فراغاته ليجد المصلي راحته صيفا وشتاء وذلك بالتصميم الجيد للفراغات والتهوية واستعمال مواد وأنظمة البناء الحديثة التي توفر العزل الجيد للحرارة وبذلك توفر من تكاليف الكهرباء مع إعطاء الإنارة الكافية في وضح النهار باستعمال الطوب الزجاجي والمناور والقباب غير المبتذلة للإنارة والتهوية وبذلك يمكن الاستغناء عن الإضاءة الصناعية وتكاليفها. ومحاولة التوفير في بناء بيت الإمام والمؤذن وجعلها بسيطة حتى لا ينقلب الوضع ويصبح الحرص على كثرة بناء المساجد بسبب توفير مساكن للمنتفعين أو ضعاف النفوس.
وأخيرا أرى أن يتم تبني مشروع مسجد جامع كبير ليكون مثالاً للعمارة الإسلامية والتراث الوطني لمدينة الرياض وليكون أهم معالم المدينة التي ما زالت في حاجة إلى جامع كبير يضاهي جامع قصر الحكم الكبير الحالي وعلى مستوى معماري بارز ومثال للهندسة المعمارية الإسلامية يكون في مناطق النمو الحديثة للمدينة ونواة للنمو العمراني المستقبلي ويمكن رؤية مناراته للقادمين من خارج الرياض سواء من الدمام أو القصيم أو الحجاز, وأن يكون معلماً متميزاً تعرف به المدينة. وأن تستقطع مساحة كبيرة محيطة بالجامع تستغل كمواقف وحدائق عامة ومقر مؤتمرات.
مهندس معماري ومخطط مدن