"سابك": هل تعيد ترتيب أولوياتها؟

لم يكن توقيت شراء وحدة البلاستيك من "جنرال إلكتريك" غير مناسب, كما يرى الرئيس التنفيذي لشركة سابك، ولكن تنفيذيي الشركة لم يوفقوا في جوانب عدة، خصوصاً في وقت الأزمات, فخلال الربع الأول من العام كانت التصريحات الصحافية على لسان رئيس الشركة ومديرها المالي تشير إلى أن" سابك" تعبر من خلال الأزمة بطريقة تجعلها في مقدمة الشركات البتروكيماوية العالمية, فهي من جانب ترى أن الأسوأ قد ولى، وأن الشركة مقبلة على استحواذات وتوسعات, كما أشار مديرها المالي في لقاء غرفة جدة، ومنها أن "سابك" تدرس فرصا توسعية في الصين. كل هذا يحدث في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي ضبابية كبيرة يصعب معها اتخاذ قرارات توسعية. فالبنوك العالمية والمحلية تعيد حساباتها في سياساتها الائتمانية، و"سابك" تتباطأ في تحقيق أرباح لتسجل خسارة مريرة في الربع الأول من العام، وقد تشهد خسائر أخرى في الربع القادم حسب تصريح رئيسها التنفيذي الذي يرى أن "سابك" قد تأخذ مخصصات أخرى في الربع القادم حال استمرار الأوضاع المتدهورة.
ويمكن القول إنه إذا كان توقيت شراء وحدة البلاستيك في أمريكا قد حدث في توقيت غير مناسب، فإن التوسع والاندماجات في قطاع البتروكيماويات قد تحدث أيضا في توقيت غير مناسب. لقد تم شراء وحدة البلاستيك على الرغم من أن الاستفادة منها لن تتم إلا بعد عشر سنوات, كما أشار المدير المالي لـ "سابك" في لقاء غرفة جدة. مما يؤكد أن "سابك" سارعت في اتخاذ خطوة شراء غير محسوبة وليست مسألة توقيت فقط، وبعد شراء حصة 35 في المائة من شركة كيان، بدا واضحا أن "سابك" كانت تسعى لإنجاح "كيان" بأي طريقة كانت, ولم تكن "كيان" ضمن خططها أو أهدافها رغم أن دخولها شريكا في "كيان" ووصف بأنه خطوة غير مدروسة. ما نخشاه ولا نرجوه لـ "سابك" كشركة وطنية يهمنا نجاحها واستقرارها هو أن تصبح وحدة البلاستيك في GE و"كيان" هما اللعنة التي تطارد "سابك" لسنوات قادمة, كما هو الحال في شركة ابن رشد التي ترقد في العناية المركزة منذ وقت طويل.
كل ما سبق من إرهاصات إعلامية أوحى لبعض محللي الاستثمار غير المطلعين أن "سابك" مقدمة على نمو في الأرباح, مما جعلهم يندفعون في توقعاتهم بشكل لم يكن قريباً من واقع الحال. إن عمل أي توقعات أو قراءة اجتهادية لأي من الشركات والسوق مجازفة كبيرة سواء من محللي السوق، أو حتى صانعي القرار في الشركات والقطاع الحكومي. الغموض الشديد مازال يكتنف الاقتصاد العالمي بشكل كبير، وعمليات الإنقاذ ما زالت تمر بمرحلة الاختبارات الصعبة، والتخلص من الديون والأصول المسمومة يحتاج إلى وقت طويل، ناهيك عن أن كثيرا من الشركات تعيد حساباتها التوسعية والهيكلية بصورة تجعلها تعبر الأزمة بأقل الخسائر، لتخرج من كبوتها بصحة أفضل توائم المرحلة الاقتصادية القادمة التي قد تختلف بشكل كبير عن بداية الألفية الحالية التي شهدت نمواً غير مسبوق لكل اقتصادات العالم.
إن من المؤمل من "سابك" أن تعيد دراسة خططها الاستراتيجية بشكل جيد قبل أن تخرج إلى الإعلام أو المنتديات بعموميات تزيد من تفاقم الأوضاع أكثر من أن تعالجها. إن من الواضح أن "سابك" لم تكن لديها رؤية واضحة في إدارة الشركة وقت الأزمات، ولا يبدو أن الشركة شكلت فريقاً يعيد صياغة أهدافها واستراتيجيتها للسنوات المقبلة. ما نسمعه من "سابك" اليوم هو تقريباً ما كنا نسمعه وقت الرواج الكبير. إن من المهم أن تركز "سابك" على الصناعات الأساسية، وأن تبتعد عن الصناعات البتروكيماوية المتوسطة والصغيرة وتدعه للقطاع الخاص الذي عليه أن يحضر شراكات استراتيجية كما هو الحال في شركة المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي مع "شيفرون فليبس"، و"بترورابغ" مع "سميتومو كيميكال". إن فشل مؤسسي "كيان" في جلب مستثمرين أجانب كان علامة واضحة لعدم قدرة "كيان" على تحقيق ما تصبو إليه، خصوصاً في صناعات Down Streem التي تتطلب تقنية عالية ورؤوس أموال كبيرة، ورغم ذلك تنطوي على عوائد منخفضة, ما جعل "سابك" تجازف كثيراً في الدخول في استثمار غير محسوب. يجعلنا نطلب منها إعادة ترتيب أولوياتها ووضع خطط جديدة وإطلاع الجمهور عليها بصورة سلسلة وبسيطة، خصوصاً أن الملاءة المالية ما زالت قوية وسوف تسهم في قدرة "سابك" على إعادة توجهاتها للمرحلة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي