كان في مهنة أهله
هي في الحادية والثلاثين من العمر، تعمل أستاذا مساعدا في قسم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا وأم لطفل عمره ثلاثة أشهر، مهتمة بالعناية به بجانب اهتمامها بممارسة عملها في التدريس الأكاديمي، ولهذا فقد اختارت حلا فريدا من نوعه للمواءمة بين دوريها كأم وأستاذة جامعية يتجلى في اصطحاب طفلها إلى موقع عملها في الجامعة، ولقد كان وجوده بمثابة اختبار لقناعات وأفكار من يدخلون مكتبها نحو طبيعة نظرتهم للأم العاملة، وهذا ما شحذ اهتمامها للتعرف بشكل أعمق على الأمر وبلورة فكرة كتابها الذي أطلقت عليه عنوان: The second shift الذي تتساءل فيه Arlie Hochschild عن مدى إمكانية الأم العاملة أن تستوعب زحمة متطلبات عملها وطفلها، وهل يجتاح العمل أولوية أسرتها؟ ومتى نلمس تعاونا كبيرا من رب الأسرة في شؤون أسرته، كما تحاول الزوجة العاملة أن تفعل، فحسب رأي الكاتبة فإن أعدادا متزايدة من النساء دخلن مجال العمل ولكن القليلات فقط استطعن التقدم والوصول إلى مناصب قيادية فيه، ولا يعود السبب من وجهة نظرها إلى فتور عزائم السيدات أو ضعف كفاءاتهن، كما أنه ليس بسبب تعصب الهيئات والمؤسسات ضد النساء، ولكن التفسير الأقوى من وجهة نظرها هو أن نظم العمل تعوقهن عن ذلك لأنها وضعت لتلائم مجتمع الرجال في المقام الأول، وأن أحد الأسباب القوية خلف ظاهرة أن معظم المشتغلين بالطب والمحاماة ورؤساء مجالس الإدارة تركيزهم التام على عملهم رغم كونهم أزواجا لديهم أسر وأولاد، أما بالنسبة للسيدات فإن فترة أواخر العشرينيات حتى أواخر الثلاثينيات من أعمارهن هي السنوات الأولى من حياتهن وفي الوقت نفسه هي ذاتها ذروة متطلبات الخبرة الوظيفية ولهذا فعندما تجد المرأة العاملة الطموحة أن قواعد لعبة العمل قد وضعت لخدمة الرجال الذين لا تربطهم أي مسؤوليات عائلية فإن معظمهن يصبن بالإحباط.
لقد حاولت Arlieفي كتابها أن تستكشف خبايا الأسر التي يعمل فيها كل من الأب والأم من منطلق الإيمان بأن وضعهم تحت المجهر من شأنه مساعدة الشابات المقبلات على الزواج والحياة على التعرف على آليات تحقق معادلة للتوازن بين عملهن وأسرهن في زمن اقتصادي صعب أصبح يرحب بمشاركة المرأة في دخل الأسرة ويحرص على إيجاد حلول لا تجعل ذلك يتعارض مع مسؤولياتها التربوية، وتتساءل الكاتبة عن مدى أهمية مشاركة الزوج والأب العامل في المساعدة لحل تلك المعادلة، وكنت أتمنى لو اطلعت على سنة رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذي لم يمنعه عظم مسؤوليات رسالته عن أن يكون دوما في مهنة أهله وخدمتهم رغم أنهن لم يكن نساء عاملات خارج المنزل، لكنها عبقرية الشخصية المحمدية.