هل أجهزة الحواسيب والإنترنت تشاركنا في تشكيل أفكارنا؟

شبكة الإنترنت تجعلنا نفكر بأسلوب يناسبها، وقد يكون له تأثير في صحتنا وطريقة عيشنا وتعاملنا مع الآخرين. إنها تفقدنا التركيز وحلاوة التمتع بالقراءة العميقة، فعندما نبحر في عالم الإنترنت، ونقضي ساعات طوالا في تصفح عدد كبير من المواضيع المختلفة، تجد أن الذهن يتشتت بين المواضيع المختلفة التي تدفقت إليه عبر عيوننا وآذاننا، وبهذا نكون قد فقدنا حلاوة القراءة الطبيعية العميقة التي تعودنا عليها قبل معرفة الإنترنت.
الشبكة العنكبوتية نعمة من الله لمن أحسن استخدامها، فأنت تستطيع البحث والحصول على المعلومة في بضع دقائق، بدلاً من الذهاب إلى المكتبات والبحث بين الرفوف. ولكنها تفقدنا التركيز والتأمل خصوصاً عند من لديه توجه أدبي وحب لقراءة الكتب الأدبية أو المقالات الطويلة. إذ إننا نفكر بنفس الطريقة التي توزع بها الإنترنت المعلومات الهائلة خلال دقائق. فنحن نفكر بطريقة متقطعة، ولا نتحمل قراءة المواضيع الطويلة، لتعودنا على القراءة السريعة والمتقطعة.
في إحدى الدراسات التي قام بها مركز أبحاث متخصص لقياس مقدرة الزوار على قراءة المواضيع الطويلة والتي تزيد على صفحتين، وجد أن الزائر لا يعود إلى المواضيع الطويلة ويكتفي بقراءة العناوين والمختصرات فقط. وهذا دليل على تغير طريقة القراءة والتفكير، وهذا بدوره سيؤثر في سلوكنا وكمية المعلومات التي نستوعبها.
أستطيع أن أطلق على مثقفي المستقبل – مثقفي الإنترنت – وهذا المثقف له عدة خصائص، منها على سبيل المثال: السطحية في التفكير، وعدم المصداقية، لأن المعلومة لم تقرأ بالأسلوب النمطي الهادئ والمتعمق في التفكير، وهذا واقع تفرضه طريقة الاتصال بالشبكة، والوقت الذي يقضيه الشخص على شاشة الحاسوب، تفقده السيطرة على تفكيره، وتجعله يحفظ عددا كبيرا من المقالات والمواضيع المميزة، والتي قد لا يعود لقراءتها أبداً.
سعة الاطلاع تكاد تكون الميزة الوحيدة لمثقفي الإنترنت، وهذا يعطيهم أفضلية على مثقفي القرن الماضي، والذين كانوا يعتمدون على الكتاب والتلفاز كوسائل اطلاع. ولكن التفكير وطرق التحليل والتعبير عن الذات، والتأصيل للمعلومة يختلف. فتجد مثقف الإنترنت يتعامل بطريقة الحاسوب، معلومة قصيرة وسريعة ويتوقع من المستمع الرد أو الفهم السريع. بينما مثقفو القرن الماضي أكثر هدوءا وتأصيلا للمعلومة، وأقرب إلى التفكير الطبيعي. القراءة السريعة والفورية والاكتفاء بمعلومات مختصرة، يضعف مقدرتنا على القراءة العميقة التي نشأ عليها علماء ومثقفو القرون السابقة.
وجد العلماء والباحثون أن طريقة القراءة هي التي تشكل الدارات العصبية في داخل أدمغتنا . فتجد تفكير ودرجة حفظ من يقرأ باللغة الصينية تختلف تماماً عمن يقرأ بحروف الألف باء كاللغة العربية والإنجليزية – مثلاً. وهناك من يقول إن أجهزة الحواسيب وشبكة الإنترنت سيكون لها بالغ الأثر في تغيير أدمغتنا وطريقة تفكيرنا ودرجة الحفظ لدينا. يتوقع العلماء أن الدارات العصبية الناشئة عن استخدامنا لشبكة الإنترنت ستكون مختلفة تماماً عن تلك التي نشأت عن طريق قراءة الكتب وأعمال مطبوعة مثل الصحف والمجلات.
في إحدى التجارب الرائدة، والتي تثبت أن العمق في التفكير يرقى بالعمل ويزيد من جودته، ذكر أن هناك أديبا مبدعا فقد بصره بعد فترة من الزمن، ولكنه لم يتوقف عن العمل، ولكنه أصبح يمارس الكتابة عن طريق الآلة الكاتبة. فوجد النقاد وبعضاً من أصدقائه أن بلاغته زادت، وحججه أصبحت أقوالا مأثورة، وأنه يكتب بأسلوب راق. لماذا؟! لأنه أصبح أكثر عمقا في التفكير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي