فقر وتشهير!

لا أظنني سأستسيغ في حياتي تلك الصور التي تنشر أحيانا في الصحف لفقراء أعوزتهم الحاجة فاستسلموا لعدسة المصور الصحافي. ولا أحسب أن عرض صورة أب وأبنائه في وسيلة إعلام أمر إيجابي بالكامل، فسلبياته على نفوس الأبناء الظاهرين في الصورة يدركها كل من لديه إلمام بالنفس الإنسانية.
أكتب هذا الكلام وأنا أضع عيني على صورة لرجل ثمانيني مع أبنائه، وقد شعرت أن هذه الصورة تستفزني بشدة. تخيلوا فقط موقف الأبناء حينما يذهبون إلى المدرسة فيشير إليهم أحد الطلاب المشاكسين ويقول إنه شاهد صورتهم منشورة في الجريدة بالأمس.
أنا أظن أنه بالإمكان الاستعاضة عن نشر صورة مواطن فقير وأبنائه بوضع عبارة أن الوثائق التي تؤكد حاجته موجودة ويمكن لمن يرغب في فعل الخير الاطلاع عليها.
ثمانيني وخط الشيب لحيته وتوكأ على عصاه واصطف إلى جواره أطفاله فتحول إلى مادة لا تستحضر حق الإنسان في أن يحيا بكرامة لا تطولها مثل هذه الصور، حتى وإن قيل إن الصورة تم أخذها بموافقته، ... فهناك أناس أيضا تعوزهم الحاجة إلى التنازل عن عضو من أعضائهم، فهل نؤيدهم في ذلك؟ ليت عملنا الخيري يتطور بحيث لا يضطر أحد في بلادنا إلى الاستسلام لعدسة مصور صحافي كي يؤكد للناس أنه محتاج وفقير. نحن بحاجة إلى جمعيات خيرية تتواضع للفقراء ولا تستقوي عليهم أو تتعامل معهم بريبة أو غلظة. ونحتاج إلى عاملين في القطاع الخيري يحبون الإنسان ويعيشون همومه ويلتمسون له العذر حتى إن لم يصدقوا أنه محتاج، وليس العكس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي