أين العمل التطوعي من الإسكان؟

تنعقد أعمال المنتدى العالمي للعمل التطوعي هذه الأيام في مدينة أبها برعاية الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز أمير منطقة عسير، وبمشاركة كوكبة من المتحدثين المتميزين. وبهذه المناسبة أجدني أتساءل عن مدى استثمارنا للعمل التطوعي وتوجيهه إلى المشاركة في توفير الإسكان للأسر الفقيرة؟ إن عدم توافر المسكن المناسب يدمِّر حياة الأسرة؛ أطفالها وكبارها على حدٍّ سواء، ويدفع بهم إلى أسفل السلم الاقتصادي والاجتماعي، بينما يعد توافر المسكن الملائم وحصول الأسرة عليه من العوامل التي تعزز من ثقتها بنفسها، وتحسن صورتها أمام الآخرين، وتمنحها - من ثم - الفرصة لتحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي. ومن هذا المنطلق فإن توجيه العمل التطوعي - وبالذات لفئة الشباب - إلى المشاركة في توفير المساكن للأسر المحتاجة يعد من أهم الروافد لتوفير الإسكان على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة، وزرع ثقافة حب العمل المهني بين الشباب وبين الأسر المستهدفة من منطلقات إيمانية تزيل عن الأذهان المفاهيم الدونية المرتبطة بالعمل المهني.
وقبل التوسع في مناقشة الموضوع أعلم أن الكثير من القراء يستصعب تطبيق المشاركة التطوعية في أعمال تنفيذ المساكن لغير المتخصصين في مجال البناء، وهنا يسرني أن أوضح أن تنفيذ المساكن بمشاركة المتطوعين لا يلزم أن يتم بتقنيات بناء الهياكل الخرسانية المسلحة الشائع استخدامها، والتي تتطلب مهارات فنية عالية، وإنما يمكن استخدام تقنيات بناء بسيطة تمكِّن المتطوعين - مع قليل من التدريب - من المشاركة بفاعلية.
إن المشاركة في توفير المساكن تعد من الآفاق الجديدة في مجال العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية، وهو ما يتطلب توفير آليات احترافية، بأسلوب منظم ومربوط بالجمعيات الخيرية وتحت إشراف الهيئة العامة للإسكان وبالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الشؤون الإسلامية. وأقترح أن تركز برامج الأعمال التطوعية لتوفير المساكن على استقطاب فئة الشباب من طلاب المرحلة الثانوية والجامعية، خصوصاً خلال الإجازات الصيفية. وأن يراعى تثقيف المجتمع بأهمية المشاركة في توفير المساكن الميسرة للأسر الفقيرة، والتركيز على فئة الشباب بشكل أكبر، والتواصل معهم من خلال القنوات الإيمانية التي تستحث حبهم لعمل الخير، وتحول شعور الإحباط المتكون لديهم من أوضاع الأمة العربية والإسلامية غير الجيدة؛ إلى أعمال إيجابية لبناء الذات، عوضاً عن التفكير في هدم الآخر، أو العيش في لهوٍ سافر بلا هدف. وأن نجعل من تطوع الشباب للمشاركة في توفير المساكن فرصة لهم لقضاء وقت ممتع في ربوع المملكة، من خلال مخيمات تطوعية في المناطق المستهدفة بتوفير المساكن، فيحصل بذلك استثمار لأوقاتهم بأسلوب ممتع في العمل التطوعي، وفرصة للتنزه والسياحة في مناطق المملكة، والتعرف إلى بيئاتها المختلفة، ومنح المتطوعين الإحساس بالأهمية من خلال المشاركة والعطاء في عمل ذي نتائج مادية ملموسة.
إن المشاركة التطوعية في توفير المساكن تعد من المشاركات ذات النتائج المادية التي يلمسها المتطوعون بشكل مباشر، ويستطيعون أن يربطوا اعتزازهم بالمشاركة فيها لفترات تطول بتأثيرها الإيجابي؛ لأن بناء المساكن من الأعمال ذات الأثر الدائم والمستمر، وهذا ما يجعلها من أساليب استقطاب المتطوعين، ودافعا لهم إلى المزيد من المشاركة. وعلى الرغم من أن أشكال المشاركة التطوعية قد تختلف وتتعدد، إلا أن أهمها يتركز في تنفيذ المساكن وترميمها، أو تصنيع مواد البناء اللازمة لها، أو تحسين البيئة العمرانية للمنطقة السكنية المستهدفة، وقد تشمل أيضاً جمع التبرعات المالية والعينية للأسر المستفيدة أو تدريبهم وتعليمهم.
وبهذه المناسبة أقترح على أمانة المنتدى العالمي للعمل التطوعي إقرار فكرة المشاركة التطوعية في توفير المساكن ضمن توصياتها بصفتها أحد روافد توفير الإسكان للأسر الفقيرة، والتوصية بأن تتولى الهيئة العامة للإسكان تحويل الفكرة إلى برنامج متكامل بالتعاون مع بقية الجهات ذات العلاقة. وكلنا أمل أن يصبح برنامج التطوع في توفير المساكن من النماذج الرائدة في مجال الأعمال التطوعية التنموية، خصوصاً إذا ما انصهرت الطاقة البشرية والمادية في قوالب إيمانية تجعل من عملية توفير المساكن للأسر المحتاجة قربة إلى الله تدخل ضمن تفريج كُرب المسلمين وإعانتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي