هل نتعلم من هؤلاء؟

أوجه التشابه بين المملكة وأستراليا كثيرة منها كبر المساحة وانخفاض نسبة التركيز السكاني واعتماد الاقتصاد على الموارد الطبيعية. وهنا ينتهي التشابه ويبدأ الاختلاف في إدارة التنمية. لفت نظري عزم الحكومة الأسترالية عل بناء شبكة ألياف بصرية لتصل إلى كل بيت بتكلفة تصل إلى 30 مليار دولار. ربط الأستراليون هذا المشروع باستطاعة الاقتصاد على التنافس وإيجاد 30 ألف وظيفة في الهندسة والبرمجيات. يقابل ذلك استراتيجية اتصالات غير واضحة في المملكة. فهناك ثلاث شركات تتنافس على حصة الاتصالات المتنقلة وهناك بداية تنافس على الاتصالات الثابتة بعد الترخيص لـ"عذيب للاتصالات" وشركات أخرى. ولكن هذا لا يرتقي إلى بناء شامل لأهم عنصر في البنية التحتية الحديثة للمملكة، فبينما ما زلنا نتحدث عن تطوير البنية التحتية القديمة من طرق ومدارس وموانئ أتى مطلب أصبح أكثر إلحاحا: شبكة ألياف بصرية وطنية متكاملة شاملة تصل إلى أكثر من 100 ضعف السرعة المتوافرة حاليا.
في كل عدة عقود يصل التطور العلمي والتقني إلى مدار جديد يغير أصول وقوانين اللعبة وإذا لم تستطع تلك الدولة أن تركب هذا المدار الجديد فإن التعويض يصبح رهانا شبه خاسر، وتبقى تحارب معارك الأمس بينما الآخرون يحضرون لركوب مدار آخر. نحن الآن نعيش إحدى الفرص للانتقال إلى مدار آخر. هذا الانتقال إلى مدار آخر لا يمكن أن يتم دون قيادة حكومية ولذلك نجد أن الحكومة الأسترالية أخذت القيادة في المشروع، فالقطاع الخاص سيملك 49 في المائة، وأتت ملكية الحكومة من خلال "صندوق البنية التحتية" وهذا اختلاف آخر مع الطريقة السعودية. فالبنية التحتية المستقبلية أهم من الغالبية العظمى من بنود الميزانية، بل هي الأهم من خلال تغيير مؤثر في اقتصاديات التعليم والصحة وإدارة جميع الفعاليات الاقتصادية.
وجدنا أنفسنا نعتمد تدريجيا على الاتصالات المتنقلة وهذه لن تستطيع خدمة الاتصالات عريضة النطاق بدرجة عالية من الاعتمادية والفاعلية. لعل السبب هو كون النزعة الطبيعية لدينا في الحديث وليس أسهل من الاتصالات المتنقلة بهذه الوسيلة، ولكن هذه لا تحاكي البنية التحتية. استحقاق الأمن الوطني يتطلب شبكة ألياف بصرية فهي أقل عرضة للاختراق وأسهل حماية حيث إنها تحت الأرض.
لعل السبب الرئيسي في عدم الأخذ بسياسة مشابهة هو الأخذ بسياسة تخصيص سطحية ولكنها تفتقد التفكير حول التنمية بمنظار شمولي وعميق. الشبكة السعودية للألياف البصرية لا تتعارض مع سياسة التخصيص، بل تدعمها وتجعل من نقل المعلومات والخدمات الحكومية والخاصة عملية أقل تكلفة وآنية ومتساوية للجميع. لذلك تسهم في تحويل المجتمعات في العالم الثالث من نخبوية ضيقة إلى مجتمعات أكثر تكافؤا في الفرص والعدالة. هذه الشبكة ترفع القدرة الاستيعابية للاقتصاد السعودي وبالتالي يصل الاقتصاد السعودي إلى مدار آخر من خلال مشروع واحد. ولذلك تجعل من المجتمع والاقتصاد أكثر فاعلية وقدرة تنافسية.
يبدأ الحل من تشكيل فريق عمل من وزارة الاتصالات والمجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الشورى ووزارة الاقتصاد والتخطيط، وليس هناك من ضير أن يذهب الفريق إلى أستراليا لدراسة المشروع بدقة في مدة أقصاها شهران ثم رفع المشروع للموافقة والتصديق ثم التمويل. دون ذلك سوف ندور في حلقة مفرغة قابلة للمشاحنات تحت مسمى المنافسة والتأخير تحت مسمى التأني والدراسة والتمويل تحت مسمى الميزانية وغيرها من الأعذار المخيفة. ليس هناك من مشروع تنموي شامل أوضح وأقل تكلفة في المدى البعيد من الشبكة السعودية للألياف البصرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي