Author

نظرات في قواعد الالتماس بإعادة النظر في الأحكام النهائية

|
حددت المادة 173 من نظام المرافعات الشرعية طريقين اثنين للاعتراض على الأحكام القضائية، أحدهما طريق التمييز والثاني طريق التماس إعادة النظر. وبينما أطلق المشرع أسباب الاعتراض بطريق التمييز ولم يقيدها بحالات معينة تاركا ذلك لأصحاب الشأن لتقديم ما يعن لهم من أوجه الاعتراض الموضوعية والشكلية، فقد تشدد بالنسبة لأسلوب الاعتراض بطريق التماس إعادة النظر بأن حدد على سبيل الحصر حالات وأسبابا معينة يجب ألا تخرج أسباب الالتماس عن واحد أو أكثر منها وإلا كان غير مقبول نظاما. والحكمة من ذلك جد واضحة، هي أن الاعتراض عن طريق التمييز يستهدف أحكاما ابتدائية لم تكتسب بعد الحجية القطعية بينما الاعتراض بأسلوب الالتماس بإعادة النظر يستهدف أحكاما اكتسبت الحجية النهائية أي حجية الأمر المقضي به فأراد المشرع أن يحيطها بسياج من الحصانة يعصمها من الزعزعة وعدم الاستقرار إلا لأسباب ارتآها مبررة لذلك وأوردها على سبيل الحصر في المادة 192 من نظام المرافعات الشرعية. وقبل أن نبين هذه الأسباب نشير إلى أن المادة 192/1 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية حددت المقصود بالأحكام النهائية بالأحكام التالية: أ‌- الأحكام في الدعاوى اليسيرة التي لا تخضع للتمييز. ب‌- الأحكام التي قنع بها المحكوم عليه. ج‌- الأحكام التي فات آخر ميعاد للاعتراض عليها. د- الأحكام المصدقة من محكمة التمييز. هـ- الأحكام الصادرة من محكمة التمييز. والأسباب التي حددتها المادة 192 من نظام المرافعات الشرعية لقبول الالتماس بإعادة النظر في الأحكام النهائية هي: أ‌- إذا كان الحكم قد بني على أوراق ظهر بعد الحكم تزويرها، أو بني على شهادة قضى من الجهة المختصة بعد الحكم بأنها مزورة. ب‌- إذا حصل الملتمس بعد الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كان قد تعذر عليه إبرازها قبل الحكم. ج- إذا وقع من الخصم غش من شأنه التأثير في الحكم. د- إذا قضى الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو قضى بأكثر مما طلبوه. هـ- إذا كان منطوق الحكم يناقض بعضه بعضا. و- إذا كان الحكم غيابيا. ز- إذا صدر الحكم على من لم يكن ممثلا تمثيلا صحيحا في الدعوى. فإذا توافر سبب أو أكثر من الأسباب المذكورة آنفا جاز الطعن في الحكم القضائي النهائي والالتماس بإعادة النظر فيه. وطبقا للمادة 194 من نظام المرافعات الشرعية ينبغي أن يرفع الالتماس بإعادة النظر عن طريق إيداع صحيفة الالتماس لمحكمة التمييز ويجب أن تشتمل الصحيفة على بيان الحكم الملتمس إعادة النظر فيه وأسباب الالتماس التي يجب أن تكون داخلة ضمن الأسباب التي نصت عليها المادة 192 من النظام المذكور. ومن البدهي أنه يجب على الملتمس أن يقدم الدليل القاطع على قيام تلك الأسباب وإلا كان الطلب باطلا وغير مقبول، كما أن بيان سبب الالتماس على وجه الدقة أمر ضروري لمعرفة ما إذا كان قد تم تقديم الالتماس في المواعيد المحددة في المادة 193 من نظام المرافعات الشرعية فيقبل شكلا أم لم يقدم في الميعاد فيرفض شكلا، حيث نصت المادة 193 من النظام بأن مدة التماس إعادة النظر 30 يوما من اليوم الذي يثبت فيه علم الملتمس تزوير الأوراق أو بالقضاء بأن الشهادة مزورة أو ظهرت فيه الأوراق المنصوص عليها في الفقرة (ب) من المادة 192 أو ظهر فيه الغش. ويبدأ الميعاد في الحالات المنصوص عليها في الفقرات (د، هـ، و، ز) من المادة السابقة من وقت إبلاغ الحكم. وطبقا للمادة 194 من النظام المذكور فإنه على محكمة التمييز – متى اقتنعت – أن تعد قرارا بذلك وتبعثه إلى المحكمة المختصة للنظر في ذلك الالتماس. وفي تقديري أن قرار محكمة التمييز بقبول الالتماس ينبغي أن يتضمن السبب الذي جعلها تقبل الالتماس وأن يكون هذا السبب هو أحد الأسباب الواردة في النظام على سبيل الحصر لأن المحكمة لا تستطيع أن تنظر أي سبب كان للطعن في الحكم بل هي مقيدة بالأسباب الواردة في صحيفة الالتماس بشرط أن تكون من الأسباب المحددة في النظام. وإذ خلا قرار محكمة التمييز من تحديد السبب النظامي الذي أدى وجوده إلى قناعتها بقبول الالتماس فإن هذا القرار يعد معيبا ومشوبا بالبطلان. وطبقا للمادة 194/2 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية ينبغي أن يحال طلب الالتماس إلى القضاة الذين دققوا الحكم في محكمة التمييز إن كانوا على رأس العمل في المحكمة وإلا أحيل إلى خلفهم في الدائرة نفسها، وقررت المادة 194/3 من اللائحة المذكورة بأنه إذا قبلت محكمة التمييز التماس إعادة النظر وإحالته إلى المحكمة المختصة فإنه يتعين أن ينظر فيه القاضي الذي حكم في القضية أو من خلفه في منصبه. وقررت المادة 192/4 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية أنه (لا يترتب على رفع الالتماس وقف تنفيذ الحكم إلا إذا رأت ذلك محكمة التمييز). ومنعا لأي خطأ أو تعسف في التقدير والاجتهاد فإنني أقترح أن يضيف المشرع إلى النظام نصا يحدد شروط قبول وقف التنفيذ على النحو التالي: 1- لا يجوز لمحكمة التمييز أن تقضي بوقف تنفيذ الحكم المعترض عليه من تلقاء نفسها دون طلب من الملتمس. 2- يجب أن يقدم الملتمس لمحكمة التمييز الأدلة التي تثبت أن التنفيذ سيؤدي إلى وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه. 3- يجب أن يقدم طلب وقف التنفيذ أمام محكمة التمييز قبل أن يتم هذا التنفيذ بالفعل فإذا حدث ونفذ الحكم في جزء منه انصب طلب وقف التنفيذ والأمر به على الجزء الذي لم ينفذ. 4- يجب أن يقدم الملتمس ضمانا مصرفيا أو كفالة غرم وأداء من شخص مليء مع طلب وقف التنفيذ لتعويض المحكوم له عن الأضرار التي لحقت به جراء وقف التنفيذ إذا صدر الحكم في موضوع الالتماس لمصلحة المحكوم له. ومن ناحية أخرى، قررت المادة 195 من نظام المرافعات الشرعية أن القرار الذي يصدر برفض الالتماس والحكم الذي يصدر في موضوع الدعوى بعد قبوله لا يجوز الاعتراض على أيهما بالتماس إعادة النظر لكن المادة 195/4 من اللائحة التنفيذية للنظام قررت أن الحكم الذي يصدر من القاضي في موضوع الدعوى بعد قبول الالتماس من محكمة التمييز تطبق عليه تعليمات التمييز. ويبقى بعد ذلك أن نشير إلى أنه في الواقع العملي نجد أن بعض المحامين لا يفرقون بين الاعتراض عن طريق التمييز والاعتراض بإعادة النظر فيقدمون بالنيابة عن موكليهم التماسات بإعادة النظر في أحكام نهائية غير مبنية على أي سبب من الأسباب التي حددتها حصرا المادة 192 من النظام وذلك إما جهلا بأحكام النظام وإما تجاهلا لها بهدف الكيد للخصم والإضرار به. وفي تقديري أنه سواء كان الملتمس جاهلا بأحكام النظام أو متجاهلا لها فإن الالتماس غير القائم على سبب أو أكثر من الأسباب المحددة حصرا في المادة 192 تجعل الملتمس عرضة للمساءلة والتعزير، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 94 وتاريخ 25/4/1406هـ بشأن قواعد الحد من الشكاوى الكيدية والدعاوى البطالة، حيث قررت المادة الثالثة من هذا القرار أنه من اعترض على حكم أو قرار نهائي مكتسب القطعية بقناعة أو تدقيق من جهات الاختصاص وثبت لدى المحكمة أنه لم يقدم وقائع جديدة تستوجب إعادة النظر في الحكم أو القرار فيؤخذ التعهد اللازم عليه في المرة الأولى بعدم الاعتراض على الحكم أو القرار فإذا تكرر منه ذلك يحال إلى المحكمة المختصة للنظر في تعزيره.
إنشرها